في البداية يجب أن نكون حذرين ، حينما نتناول السردية اليمانية ، لكثرة التعقيدات الغير مرئية ، أو القريبة ، موضوعيا وزمانيا . 

لأن التناقض ، بحجم الجبال الرواسي ، فالوطن : أرض طيبة ، والجين : مليء بالوهن ، متفرق على نفسه  .

مفرق بالجملة ، و بالتجزئة .


فمرض اليمن ، قيل أنّه قد بدأ منذ تفرق أيادي سبأ .

على الرغم من أن هذه السردية موغلة في التاريخ ، لذا يجب علينا أن نكون حذرين حينما نتعاطى معها . لأن المقصود هنا ، هو استنزاف الجين الجيد ، عبر الهجرات المتتالية ، والفتوحات المتعاقبة . والرحيل طلبا للعيش الكريم والاستعاضة عن الديار ، بديار أفضل ِ، أو للهجرة ، دون عودة تذكر . 

وقال آخرون، أنّ الموجة الثانية من وهن اليمن ، قد بدأت بعام الوفود ، حينما بايع النبي صلى الله عليه وسلم  ، مَا تبقى من جين يماني ينبض بالحياة ، ثم رحل هذا الجين فورا، ضمن جيوش الفتوحات ، وبالقطع – كحال بقية العرب الآخرين ، الذين خرجوا من جزيرتهم إلى فضاء الله الواسع –  لم يُعد من خرج من ضِيق المكان إلى سعته . لأنهم – فعلا – قد استعاضوا عن فقدان الديار ، بديار فيها من المغريات ، ما يجعل الإنسان ينسى ، أو يتناسى وطن جلّ ما فيه: شمس حارقة ، وأرض جادبة ، وعين ناضبة ، وشح في الماء والكلى والمرعى . 

تلك الموجة الثانية الراحلة أو الخارجة ، سميها ما شئت ، من الأرض الطيبة ، التي خرج منها ما تبقى من الجين القوي . فلم يبقَ إلا "النطيحة والمتردية وما أكل السبع " ، والدليل على ذلك : هو أنه من ذلك الزمان ، واليمن بلد مهمش هامشي ، ناهيك عن تهميش الجغرافيا لذاتها ومن فيها ، فلم يتمكن من الأخذ بزمام مبادرة أية لحظة تاريخية ، ويمسك الخطام ليتصدر قيادة القافلة ، منذ الراحلين مع الفتح . مع العلم أن هذا التهميش ليس قضاء محتوما ، ولكنه رغبة واختياراً ، لأنه لا يوجد هنالك ما يمنع ، أن يأتي قوم آخرين فيحيون الأرض الطيبية ، فقانون التدافع والتداول الإلهي يقول : " وإنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُّمَ لاَ يَكُوْنُوْا أَمْثَالَكُمْ " 

إنَّ هذه الحالة لم تُرَ ، ولم يَرغب أهل اليمن في إدراكها ، أو رؤيتها ، أو سماعها ، أو أن يتعاطوا معها بمسؤولية ، وأمانة علمية أو تاريخية . لذلك نجد أن اليمن منذ الفتح وهي تتردى ، بل – في الحقيقة – أنها قد أزيحت من المعادلة البشرية التدافعية – التنافسية ،  بعد إنهيار السد ، فلم يأت بعد ذلك إلا تهويد اليمانيين على يد أبي نواس الحميري ، وهو – بالمناسبة – ليس بحميري ، ثم احتلال الأحباش لليمن ، وحينما اكتشف سيف بن ذي يزن الوهن الكبير الذي خلفه إنهيار السد ، لم يستنهض اليمانيين ، بل ذهب مستغيثا بكسرى ، الذي أرسل معه بضعة مئات من المساجين والمحكومين ، لطرد الأحباش ، وهكذا ، أضحت اليمن واهنة ، في تردٍ عبر الحقب . على الرغم من أن البوادي القصية التي لم يصلها الأحباش ولا الفرس ، لم تكن معنية بما ذهب إليه سيف بن ذي يزن ، لأنه كان يبحث عن ملك انتزع منه لصالح الحبشة ، وكان بني عمومته من بقية قبائل اليمن شرق الشمال وشرق الجنوب ينازعونه إياه  ، بل ومستقلين عن منطقة الأحباش والفرس ، فلم يصل الأحباش ولا الفرس إلى الجوف وشرق صنعاء ومأرب والبيضاء ، ومعظم مناطق صعدة ، ولا المناطق الجنوبية البتة . 

سيقول من هم جزء – بل جين – من هذا الوهن المتواصل في الجسم اليماني ، منذ الإنهيار ، بأني أتحامل على اليمانين . 

حسنا . أنا أتحامل على اليمانين ، مع أنني أشخص حالة ، باحثا عن مخارج لِما تردينا فيه منذ قرون ، علّ وعسى ، أن نلج إلى درب محجوب عنا . 

أنا من مذحج " الطعان " لمن لا يعرف من أنا ، أو من أين أنا ، وهي القبيلة التي يمتن لها العرب ، لأنها قاتلت الفرس ، حينما تحالف معهم آخرين ، وهذا لا يمنحني أي وسام ، فأنا في الأول والأخير من أهل الجنوب العربي اليماني الواقع جنوب الركن اليماني ، وما أصاب القوم من وهن وعوار أصابني ، وأنا أشخص حالتي قبل أن أشخص حالة القوم . 

من بعد الفتح ، ماذا جرى ، تعاقب على اليمن ، وهن وعوار بوار ، مما يسمى الدويلات ، بل أن العديد من مؤسسي تلك الدويلات ، قد جاءوا من خارج اليمن ، الرسيون ، والقرامطة ، وحتى النجاحيون ، ثم الرسوليون ، ناهيك عن أن اليمن كانت تدار بالولاء للدولتين الأموية و العباسية ، ولا ضير في ذلك ، حينما كانتا في أوج عنفواهما ، ولكن بعد أن ضعفتا ، وسيرتا بالرعاع والدهما ، فلماذا اليمن لم تنجب صناديد ، يرفعون الرأية ، ويشهرون السيوف ، ويقولون : لن يحكمنا مَن وهَنَ خارج الحدود ، فنحن لها .. لم يحدث ذلك ، بل بقيت اليمن رهينة وحبيسة ، للمفاجاءات ، ونوائب الدهر غير المحليات ، وإنما المستقدمات ، من خارج الحدود . 

إن ما ألحقه عصر الدويلات باليمن من ضرر إضافي ، إلى الوهن الذي أصابها منذ إنهيار السد ، واضح وجلي ..

وعند ما جاء البرتغاليين إلى شواطيء اليمن ، لم يصدهم أحد ، غير أنهم – في ذيك الزمان ، لم يجدوا ما يشجعهم على البقاء قياسا بجنوب أفريقيا وجنوب وجنوب شرق آسيا ، حيث الماء والخضرة والوجه الحسن . 

وحتى عند ما جاء الإنجليز في 1839م..  علينا أن ننظر بعمق ، أين استقروا ؟! وأين أقاموا ؟! 

في عدن وضواحيها ، مثل ساحل أبين ودلتا لحج فقط ، ومكثوا فيها حتى الحرب العالمية الثانية ، ولم يتجاوزوا تلك الحدود ، إلا بعيد الحرب العالمية الثانية ، وهي المرحلة التي سبقت رحيلهم بحوالي 22 سنة فقط ، لأنهم أدركوا بأن البر اليماني ، إما سواحل مفيدة تجاريا ، أو صحاري قاحلة ، أو جبال تنعدم فيها الحياة الحديثة ، وكلفة السيطرة عليها ، أبهض من تركها وشأنها . 

وقد تركوا الصحاري والجبال ، تجنبا للكلفة الاقتصادية والبشرية الباهضة ، واختاروا السواحل لسهولة السيطرة عليها ، وأهميتها . 

لأن العامل الإقتصادي وخطوط الملاحة البحرية – بالنسبة للبريطانيين – في ذينك الزمان ، كان هو المحدد الأول لحركتهم في الأتجاهات الأصلية والفرعية . ولذلك فقد أكتفوا بميناء عدن ، ومطارها فيما بعد ، اللذين كانا يدران على بريطانيا مليارات الجنيهات الاسترلينية سنويا ، وتركوا ما يأتي بعد عمق 60 كيلو متر في البر اليماني وشأنه. 

وحينما رحل الإنجليز ، ما الذي جرى في جنوب اليمن ؟!

عاد أهل الجنوب وأنا واحد منهم ، إلى الجدب الفكري ، والديني ، والاقتصادي ،والسياسي ، وحتى الأخلاقي . وأكدنا إحياء الجين الذي تركه الفاتحون خلفهم في المكان ، حينما أصهلت خيولهم نحو الجهاد ، فاستبدلوا جدب المكان برخاء في مكان آخر ، تطبيقا للمعنى الرباني " ألم تكن أرض الله واسعة " . 

فقتلنا بعضنا البعض في الجنوب ، وسجن من سجن ، وتشرد من تشرد ، وأخفي من أخفي حتى اليوم ، وحدث الذي حدث ، والكل يعرف تفاصيله كاملة . 

أما في شمال اليمن ، فقد حولها الأئمة الزيديون إلى أرض يباب من كل شيء ، حتى أصبحت طاردة لأبناءها ، ولكل شيء عدا الشجرة الملعونة ... القات .. القاتل . 

وعندما استلم الجمهوريون الأرث جنوبا وشمالا ، ما الذي حدث ؟

تَصُحّر في الجنوب ، ويباب في الشمال . 

ولعل فترة المخلوع المقتول عفاش ، لا تزال عالقة بالأذهان . وما تركته من إنهيارات على شتاء الصعد. 

إن النخب التي تسمي نفسها " نخب سياسية تيمنا " القادمة – اليوم – من عصر عفاش ، ومدرسته ، تأبى أن ترى أي شيء ، ولو حتى مجرد إلقاء نظرة أخيرة على الميت !

وكما اختارت بمعية عفاش – في عصر عفاش – تظليل الإقليم والعالم ، لا تزال تسير على نفس الموال ، ظانة أنها لا تزال تعيش في عقود ما قبل تسعينيات القرن الماضي . 

لقد خدعت نفسها ثم شعبها بذاك وبهذا التظليل ، حينما ظنت ، وهي تعلم – إن بعض الظن إثم – بأن كامل محتوى الفعل الذي مارسته ولا تزال تمارسه ، غير معلوم أو مريء لشعبها أو للعالم . 

وإن سكوت الإقليم والمجتمع الدولي على أفعالها وتصرفاتها ، ما هو إلا مباركة لها ،على إنجازاتها التي لم تأت بها الأوائل . 

لذلك نجدها مستمرة في التدليس والمخاتلة ، متوزعة الأدوار فيما بينها ، متفرقة ما بين هذه الدولة أو تلك. 

وفي الحقيقة أن دول الجوار الخليجي مثلا ، لم تكن غافلة عن أفعال العديد من هذه النخب ، ولكن دول الجوار الخليجي ،  كدول محافظة ومستقرة ، كانت – إلى ما قبل العام 2011م – تفضل تجنب إثارة بعض من تلك المخاتلة أو التدليس والخداع، ظنا منها أن الأوضاع – في اليمن – لن تتجاوز الحد المعقول .. وهذا ليس تبريراً أو إعفاءاً لدول الخليج مما حدث في اليمن . لا .. ولكننا نحلل النصف من الكأس فقط . 

حينما جاء العام 2011م بكل منعطفاته ، بدأت تتكشف فضاعات ذلك التدليس والخداع ، الذي مورس على اليمن أرضا وإنسانا ، من قبل هذه النخب المحسوبة على اليمن ، التي عاشت تترزق حراما ، حتى ولو كان ذلك على حساب تدمير اليمن معنا وحسا . 

لذا فقد انفجر البركان – الذي نحترق به اليوم – والذي لم يعد بركانا محليا فحسب ، بل أن جزيرة العرب قاطبة ، أضحت مهددة بنيرانه . 

وحينما جاء الإنقلاب في 21 سبتمبر 2014م ، وعاد باليمانيين إلى عصور الاحتراب والكراهية والبغضاء ، ففزع الجزء المتبقي من اليمانيين ، وحاولوا أن يلمموا جراحهم ، بإمكانيات بسيطة ، ولكن همهم ارتفعت ليلة إطلاق عاصفة الحزم ، ظنا منهم أن بداية فجر جديد قد بدأت . 

ورويدا ، رويدا ، تتكشف الحقائق ، وتتوضح الأمور ، فيكتشف اليمانيين ، أن مقولة : 

ما حك جلدك مثل ظفرك                                فتولّ أنت كل أمرك 

صحيحة مائة في المأئة ، إذا أحسن الاختيار من جديد ، وتجاوز اليمانيون هذه النخب المدلسة المخاتلة .

ولكن قبل أن نعول على حسن الاختيار الجديد ، من قبل المخلصين من اليمانيين جنوبا وشمالا ، دعونا نشخص – في عجالة – ما حدث في اليمن جنوبا وشمالا ، عبر العقود الماضية . حتى نستخلص من ذلك عبرة ومنهاج ، ونخلص إلى توصيات . 

تلخيص التلخيص :

 وصف الحالة شمالا :

في عجالة يمكن إجمال ما جرى في الشمال ، في العقود الزمنية الماضية فيما يلي : 

( أ ) عصر الأئمة :

والمقصود – هنا –  هو ما قبل 09/26/ 1962م . 

ليس المقصود بهذا هو التذكير بمَن كان يحكم شمال اليمن في تلك الفترة ، فذلك قد أضحى معلوما ، لكثرة تكراره ، وإنما ما يجب التذكير به هو : نوعية الأسلوب الذي كانت تدار به الحياة حينها . 

لقد حُكمت الشمال من قبل نظام ، عمل على التفريق بين مواطنيه ، وكان يؤمن بسياسة الأبواب المغلقة ، في وجه الحياة المعاصرة . وهذا هو جوهر الخلاف بين ذلك النظام وبين شعبه . 

فانتفض الشعب على ذلك النظام ، وحدث ما حدث . 

( ب)  09/26/ 1962م وما بعدها : 

حينما انتفض – ما عرف لاحقا بالجمهوريين – في وجه نظام الإمام (محمد البدر بن أحمد بن يحيى بن محمد حميد الدين ) قام من قاد المنتفضين ، بإسقاط أمراض وأوجاع وتناقضات وغرائب النظام السابق على انتفاضتهم ، وعلى عهدهم الجديد . فبدأت تصفية معظم العناصر التي كانت تتحلى بنوع من المصداقية والإنصاف ، إمثال :( علي عبد المغني ) العقل المدبر للانتفاضة، و ( الزبيري ) و( علي الأحمدي )، أو إقصاء ( النعمان ) و ( القاسم غالب ) و( عبد الغني مطهر ) وغيرهم . 

حتى أن المراقب يقتنع بأنه لم يتغير إلا المسمى فقط ، أما الثقافة ،والاستعلاء السياسي ، والأمراض الطائفية والمناطقية ، فقد بقيت ، ولكنها غلفت – هذه المرة – بمسميات جديدة .. حزبية ، أو ثورية ، أو دينية ، أو نضالية ، أو وطنية إلخ . 

فالصراع تحول من سلالي طائفي مذهبي ، إلى صراع مناطقي ، مصلحي ، متوشحا بوشاح الجمهورية والنضال . والجديد – في هذه المرة فقط – هو تحول الصراع مما سبق وأشرنا إليه في عصر آل حميد الدين ، إلى صراع بنفس الأمراض ، وإنما غيرت المسميات والمصطلحات ، فبدلا من أن يسمى صراع الاصطفاء في مواجهة الدناء أو الدونية ، أو ما يعرف اليوم بالمصطلح الذي أطلقه الحوثيون في نسخته الجديدة ( القناديل ) في مواجهة  ( الزنابيل ). تحول إلى مسميات : مناضلون في مواجهة متخاذلين ، وجمهوريين في مواجهة رجعيين ، ووطنيين في مواجهة خونة إلخ.

لم ينته حصار صنعاء الشهير باسم ( حصار السبعين يوما ) ، وتنتهي الحرب الأهلية ، إلا وقد نزل الجمهوريين إلى شوارع صنعاء يتذابحون ، في مأساة ما عرف حينها 8 أغسطس 1968م . 

وفي الحقيقة إن اليمانيين الشماليين ، ذبحوا بعضهم بعضا في تلك الأيام ، امتدادا لصراع زعموا بأنهم قد قبروه في يوم 26 سبتمبر 1962م ، ولكن : الحقيقة تقول غير ذلك . فذلك الذبح ، تم كوصفة متواصلة مع الماضي ، وغير منقطعة عنه ، وإنما غُيرت المسميات ، حيث أطلق على تلك المذبحة مسميات ، مثل المواجهة بين ( الجمهوريين ) و ( الحركيين ) ، بينما – في حقيقة الأمر – ما حدث ما هو إلا امتداداً لسرديات قديمة ، قادمة من عصر الصراع الطائفي السابق ليوم  09/26/ 1962م ، فالقتل في شهر أغسطس السابق لشهر سبتمبر للتذكير فقط ، كان على أسس مناطقية ( اليمن الاسفل واليمن الأعلى ) ومرافقا لهما السردية المذهبية القديمة ( الزيود والشوافع ). 

لقد برز الاصطفاف القديم الجديد – من بعد تلك الحادثة – في الصف الجمهوري ، على نفس الأسس القديمة ، التي كانت قائمة في عهد الأئمة آل حميد الدين . فلم يتغير شيء، وإنما الذي تغيرهو الأشخاص والمصطلحات ، الأمر الذي تأسس عليه تعاطي جديد ، ومسميات جديدة ، فتحول الصراع من الأساس السلالي الأسري الطائفي الأشد وضوحا ، إلى صراع – أشد غموضا – ولكن على أسس ، بعضا منها شبيه بالسابق ، مع تقمص مسميات جديدة ، تقوم على أسس : 

- جهوية ( مناطقية ) بلباس جديد . 

- الصراع بين التقدميين والرجعيين 

والمفهومين السابقين ، ما هما إلا اجترار للماضي ، ويجتمعا تحت ثقافة الصراع بين ما كان يعرف بصراحة ووضوح في عهد الأئمة آل حميد الدين : صراع الشوافع والزيود ، أواليمن الأعلى [ الزيدي ]  واليمن الأسفل [ الشافعي ]. 

( ج ) حركة 13 يونيو سنة 1974م  بقيادة المقدم إبراهيم محمد الحمدي :

جاءت هذه الحركة ، جراء تذمر بعض الضباط في الجيش اليماني الشمالي ، بقيادة الحمدي ، من الوضع المزري ، الذي بدأ الناس يتحدثون عنه ، فيقولون " غيرنا إمام فجئنا بمائة إمام " كتعبير رافض لما وصلت إليه الأمور ، من فوضى ، وتعدد مراكز القوى داخل البلاد . 

حقق الحمدي بعض الإنجازات في المجالات الإدارية ، والتنموية ، مثل الحد من الرشوة ، و المحسوبية ، والفلتان الأمني ، وأنجز بعض المشاريع الاقتصادية التنموية ، ولكن ما كان ينقص الحمدي ، هو امتلاك رؤية استراتيجية عميقة ومتسعة لكافة ألوان الطيف الفكري والسياسي والاجتماعي ، تعبر بالأرض والإنسان نحو مستقبل آمن نام ،  مستقر، مزدهر ، تقوم فيه العلاقة على أسس المواطنة المتساوية ، واللامركزية ، والحرية ، والعدالة ،والنظام والقانون ،والحكم الرشيد ، والمشاركة الشعبية الواسعة ، والتعددية السياسية ،والاجتماعية ،والاقتصادية الحقيقية . 

لذلك أجهض مشروع الحمدي المتواضع ، في ليل ، وكان " عفاش " على رأس من أجهضه ، بل من قتل الحمدي . 

طويت صفحة الحمدي بسرعة ، وأطلقت حملة شاملة لتجفيف جميع الآثارالإيجابية ،  التي تركها الحمدي. 

لن أسهب في ذكر فترة المقدم أحمد حسين الغشمي ، التي لم تدم إلا بضعة أشهر ، ولكن الشيء الكبير ، هو قدوم الكارثة التي تلت رحيل الغشمي . 

17 يوليو 1978م ومجيء عفاش إلى الحكم :

في مثل هذا اليوم المشؤوم،  المذكور سابقا ، جيء بعلي عبد الله صالح ( عفاش ) ، إلى مجلس الشعب التأسيسي ، على رغم أنف أبناء الشمال ، لأن مقتضيات الحرب الباردة – حينها – كانت تفضي إلى أن شعوب العالم الثالث ، تصحو ذات  صباح على إنقلاب ، دموي ، أو أبيض ، أو مسرحي – تمثيلي ، وهذه العبارة الأخيرة ،هي التي نفذت ليعتلي عفاش حكم الجمهورية العربية اليمنية وليست اليمانية . 

لأن جين ما بعد انهيار السد ، غير حتى المصطلحات ، والكلمات ، والثوابت . فصار ما هو خطأ شائع ، صواب فصيح . 

عموما استلم ( عفاش ) حكم الجمهورية العربية اليمنية ، بلا مشروع سياسي واضح ، وبلا مشروعية أخلاقية جلية.

لإن أخطر ما جاء به المخلوع الميت عفاش ، هو أنه أبقى – ظاهريا – على ما تبقى من قيم اجتماعية – إنسانية ، توارثها اليمانيون منذ أن وجدوا على هذه البسيطة ، ولكنه – حقيقة – شرع فورا في  تشكيل فرق موت ، وإعدام ، وملاحقة ، وتصفية ، وإبادة لهذه القيم في الخفى .. في دهاليز الأمن الوطني ، فأسس مجموعات متخصصة في ذينك الأمن ، كل فرقة مهمتها القضاء على موروث قيمي معين ، في فترة زمنية محددة ، حتى يحلو له طيب الإقامة ، في اليمن الميمون . وقد فعل على مدة 33 سنة ، وأكمل أربعا – من خلف الكواليس – بعد تنحيه الصوري ، وأتم مخططه اللاأخلاقي الذي بدأه في 17 يوليو سنة 1978م بإنقلابه المشؤوم المدمر المهلك ، الذي جاء على ما لم يستطع أن يدمره في ال 33 سنة . 

فحينما جاء المخلوع الميت عفاش ، إلى السلطة ، نصح بأن لا يبدأ بالتصادم مع قيم المجتمع ،التي لا تقبل المساومة ، أو التنازل ، إنما يجب أن يستخدم أسلوب جديد ، غير مألوف ، أو متخيل من قبل المجتمع . 

هذا الإسلوب هو : النفاق المتخفي في صورة الفضيلة . 

فمثلا : كلمة : قَبْيَلَة ، التي كان يكررها الرجل ، حينما يقطع على نفسه إلتزام معين أمام آخر ، وهي كلمة لها وقع معين في "الأعراف والأسلاف " القبلية . 

وكلمة أمانة : التي تعطي نفس المعنى الديني للكلمة ، من ثوابت الكَلِم، التي حينما يقولها الإنسان لآخر ، يعني أن الغش والخداع ، منتفي هنا . 

وكلمة وعد : وهي بنفس المعنى الديني عندنا نحن المسلمين جميعا ، التي كان اليمانيون يعتبرونها بمثابة ( الميثاق ) ، فحينما يقولها الرجل أو المرأة ، فذلك يعني أنه قد قطع على نفسه ميثاق لا يمكن أن يخلفه .

وكلمة بَوَجْهِي :  وهي الكلمة التي كان لها معنى – عند اليمانيين – كبير . 

فهذه الكلمات على سبيل المثال لا الحصر ، كانت ضمن منظومة قيمية اجتماعية كبيرة ، من القيم والثوابت ، التي كان اليمانيون يعتبرونها مكملة للإلتزام الديني في حياتهم ، وأنها جزء لا يتجزأ من المنظومة الدينية ، ومن تدينهم ، على الرغم من عصور التقهقر والجفاف العلمي ، الذي مرت بها اليمن في مراحل التدهور والتقهقر الإسلامي عموما.  

وما كان الإنسان اليماني ، قبل علي عبد الله صالح ، يتخيل بأن أي إنسان ممكن أن يقول بها ، وهو يكذب ، لأن من كان يفعل ذلك ، ينبذ من المجتمع قاطبة ، فالكل سيعتبره كذاب ، والكذاب نعلم مكانته في الدين. 

فما الذي فعله الميت عفاش : ببساطة.. أوحى له مهندسوا عمله الشيطاني ، الذي نفذه ضد قيم اليمانيين ، التي توارثوها عن أجدادهم ، و تاريخهم ، ومجتمعهم منذ مئات السنين ، بالتالي : 

لا تتصادم مع هذه القيم ، ولكن أسلك درب آخر جديد ، لن ينتبه له أحد ، وحتى لو تنبهوا ، لن يدركوا بالخطر الذي حل بهم ، إلا بعد أن يقع الفأس بالرأس ، وقد حدث ذلك . 

فقيل له : استخدم أسلوب التقمص ، والتمثيل ، والتظاهر ، كما يفعل الممثلون على خشبة المسرح ، أو في الأفلام ، والمسلسلات التلفزيونية . أي بمعنى : إظهر خلاف ما تبطن . وهذه عقيدة باطنية كما هو معروف . 

فمثلا : اضرب صدرك . بمعنى : أبشر . حينما تقطع وعد على نفسك ، وامسح على وجهك ، كما تَعَوَّد الناس ، حينما يقطعون وعد لبعضهم البعض . أي حينما يقول أحدهم للأخر : بوجهي مثلا . 

وقل كل كلمة تَعَوَّد عليها اليمانيون ، حينما يقطعون فيما بينهم الوعود والعهود ، حتى يطمئنوا لك ، ولعهدك ، ثم أعمل خلاف ما تقول أو تقطع لهم ، ومع الوقت ، سوف يكتشفون بأنه قد نشأ بينهم ، ومنهم قطاع واسع على دينك وملتك ،يفعلون ما لا يقولون ، وهو عكس قول الحق تبارك وتعالى : " يا أيها الذين آمنوا لما تقولون ما لا تفعلون " 

وفعلا مع مرور الوقت ، بدأ يبرز إلى السطح ، أشخاص يمثلون ظواهر غريبة ، لم يتعود عليها اليمانيون. 

فالكذب بدأ ينتشر على نطاق واسع ، وخصوصا في الوظيفة العامة ، وعند المسؤولين ، والموظفين .

وقلة الإمانة ، كذلك ، والغدر ، والاعتداء على القيم اليمانية الصلبة ، مثل الاعتداء على الأسواق، التي كانت إلى ما قبل عفاش تعد " هَجَر " أو " هِجَر " أو " هِجْرَة " . أي:  أنها محمية من أي عدوان داخلها أو عليها . 

فبدأ صاحب الثأر ،  يقتل " غريمه " أو خصمه داخل السوق ، فلا ينتظره حتى يغادر السوق ، بمسافة متعارف عليها ، تعني  نهاية حدود السوق . وطبعا ، نحن لا نقر مبدأ القتل أصلا ، ولكننا – فقط – نوصف واقع كان موجودا.

والاعتداء على الأمنين ، وعابري السبيل ، والضعفاء من القوم ، والنساء ، وصغار السن ، وكبار السن . بدأ ينتشر.

وبقية القيم اليمانية ، أصبحت مستباحة ، من قبل مجتمع بدأ يتشكل مع نهاية ثمانينيات القرن الماضي ، ثم حلت الكارثة بحلول عقد التسعينيات ، وبداية سنوات الألفية الجديدة . 

كل هذا الذبح للقيم ، والإعدام المعلن ، جهارا نهارا ، ما كان أن يتم ، لولا أن المخلوع المقتول عفاش ، قد استخدم السم" السام " القاتل – الذي سماه بلسما في بداية نشره له – وهو القات القاتل ، فقد نشره بشكل مدمر ، في البيت ، ومكتب العمل ، والمعسكر ، وقسم الشرطة ، والمدرسة ، والجامعة ، والمطعم ، والسيارة ،والسفارة ، والشوارع ، والملاعب الرياضية ، والازقة ، والحارات ، والسهل ، والجبل ، وأماكن النزه ، وشواطيء البحار ، بل حتى في أعماق الصحاري ، وفيافي القفار ، والبوادي القصية ، التي لم تصلها وسائل الحياة الحديثة ، وعند البدو رعاء الشاه في الجبال العلية ، أو القفار القصية  . 

نوصف ذلك ، لأنه قبل عهد علي عبد الله صالح ، لم يكن للقات وجود ، في أي مما ذكر !! 

والذي تابع كلام محسن العيني رئيس وزراء الجمهورية العربية اليمنية السابق ، المنشور في العديد من الأدبيات اليمانية ، يدرك ، ما نقول ، ويكفي أن نشير إلى موقف واحد ، ذكره العيني في أكثر من مناسبة ، وهو أنه لما اتخذ قرار منع تعاطي القات في الأماكن الرسمية في عهده ، كخطوة أولى لاقتلاع القات من اليمن ، يقول محسن العيني : صليت في الجامع الكبير في مدينة صنعاء القديمة ، وكان أحد الموظفين قد اشترى قات من مكان قريب من الجامع ، فاستحى وذهب بعيدا متواريا ، حتى لا نراه ، وقد نبهني إليه أحد المرافقين لي لحظتها ، يقول العيني . 

أجل : فالقات قبل علي صالح ، لم يكن له وجود يذكر في حياة اليمانيين . ولكن ماذا حدث في عهد عفاش ؟

إنَّ عموم اليمانيين – اليوم – يعلمون ما الذي حدث ، وحجم الكارثة ، والطامة ، والمصيبة ، والدمار الذي خلفه فعل المخلوع عفاش هذا . 

فقد كان مَن يتعاطون القات ، يتعاطونه ، بصورة خجولة ، ومتوارية داخل البيت ، فلا ترى أحد يتعاطاه في الشوارع ، والأزقة ، أو داخل الأسواق ، إلا لمن يبيعونه فقط ، كونه ماكثا في حانوت . 

إن الفترة التي سبقت 22 مايو 1990م ، ونقصد فترة حكم عفاش للشمال ، وخصوصا ما بين عامي 1982م و1990 ، وهو العام الذي تأسس فيه حزب المخلوع المؤتمر الشعبي العام ، وهو الحزب الذي مكث على مدى سنوات حكم المخلوع الميت ، يمارس كل أنواع الفساد ، ويصوغ ويعمل كقاعدة دعم لوجستي لكل مشاريع عفاش الظلامية الإجرامية . 

وفي الحقيقة ، إن كذبة المؤتمر كحزب كانت جلية .  وجميع الأحزاب والقوى السياسية والشخصيات السياسية والعامة ، ورجال الأعمال ، وكل حر في اليمن ، كانوا يعلمون بأن هذا الحزب – واقعيا غير موجود – ولكنه كان يستخدم كيافطة تدار من الباطن من قبل ما كان يعرف – قبل 22 مايو 1990 – بالأمن الوطني ( المخابرات ) ،أو بعد هذا التاريخ بالأمن السياسي ( المخابرات )، التي ألتحق بها في نهاية عقد تسعينيات القرن الميلادي الماضي ، ما عرف فيما بعد" بالأمن القومي " ، وهي المخابرات الخاصة التابعة لعلي صالح ، بعد أن شك وأصبح غير مقتنع بأن الأمن السياسي صالح للمهمة التي أراد أن يكملها بسرعة ، وخصوصا بعد ما انخرط في عملية ما عرف منذ تأسيس الأمن القومي بمكافحة الإرهاب ، وهو الموضوع الإستثماري الكبير ، الذي استخدمه عفاش كسيف مسلط على معارضيه ، وعَمَل يمنحه شرعية البقاء أمام الخارج ، ويوفر له دعم مالي وسياسي من هذا الخارج لقمع معارضيه ، وتمرير ما تبقى ولم ينجز من حربه على قيم اليمانيين ، منذ اعتلاءه سدة الحكم . 

وحتى نوضح للمواطن البسيط ، الذي كان يغط في سبات القات العميق ، الذي أستخدمه عفاش كأول أداة حادة قاتلة ساحقة ماحقة ، من الأدوات والوسائل التي استخدمها  ضد الشعب المسكين المغلوب على أمره ، حتى يتمكن من القضاء المبرم على قيم اليمانيين التي توارثوها عن أجدادهم منذ آلاف السنين فإننا نورد الوسائل التي استخدمها عفاش على مدى حكمه ، وهي وسائل قد غدت معروفة ، ولكننا – فقط – نذكر بها من لم ينتبه لها ، أو للخارج الذي كان بعيدا عن الصورة في الداخل اليماني . 

الوسائل التي استخدمها عفاش لتدمير قيم اليمانيين :

1 – القات 

2 – المال 

3 – الفتن 

4 – الوظيفة العامة 

5 – توزيع الأراضي 

6 – النفاق الذاتي والسياسي والإجتماعي 

7 – اختراق الأحزاب 

8 – اختراق القبيلة 

9 – اختراق العائلات التجارية التاريخية 

10 – اختراق القيم الثابتة 

11 – إذكاء نار الثارات ، وتوسيع رقعتها 

12 – شراء الضمائر بالفتات 

13 – خلق العداوات 

14 – الإنقلاب على الذات والتنكر لها 

15 – الشطارة والفهلوة الغبية والغريبة  

16 – استعلاء العسكر  

17 – التنصل عن قيم الأسرة  

18 – التدين المزيف 

19 – سيف الإرهاب 

20 – الابتزاز 

21 – التوثيق ضد الأعداء المحتملين 

22 – التوريط في قضايا جسيمة ( أخلاقيا وماديا )

23 – الافتراء والكذب 

24 – المرأة 

25 – التجهيل بكل صوره وأشكاله . 

26 – وأُخَر كثر .

وبالعودة إلى الإنفجار الذي حدث في 2011م .. في هذه النقطة نقول : حينما بدأت أنظمة  بن علي والقذافي وحسني تتهاوى . أسأل اليمانيون : كم امرأة رأوها تنزل إلى الشوارع وتبرز باستمرار على شاشات التلفزة ، بل وحتى بعد نهاية حكم الثلاثة ، فتستميت في الدفاع عنهم ؟!. ولكن في المقابل : هل يتذكر اليمانيون : أولئك النسوة اللائي نزلنا إلى شوارع المدن اليمانية أثناء ثورة 2011 ،مدافعات عن عفاش ، واستخدمن أساليب ما كان أحد منا ، يعتقد بأنها ستكون موجودة في يوم من الأيام في اليمن ،  وحتى بعد تنحي عفاش وتشكيل ما عرف بحكومة الوفاق ، وحينما حضَّرَ لاعتصامات الإنقلاب على الرئيس هادي والحكومة الشرعية ، لاسقاط الائتلاف الحكومي الذي شكل وفقا للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ، هل نتذكر تلك النسوة العفاشيات اللائي نزلنا ، مطالبات برحيل باسندوة وحكومته ، ثم واصلنا مسيرتهن بعد أسقاط الدولة اليمانية الهشة ، وتحولنا إلى أحضان الانقلاب ، ضنا منهن بأن عفاش الذي عبدنه من دون الله باق ؟!!

إن جميع الدمار الذي تحدثنا عنه سابقا ، كان خاصا بالداخل ، أما على المستوى الخارجي ، فيكفي عفاش أن أنجز مهمة تشويه الشخصية اليمانية عالميا . 

فجميع الوسائل التي ذكرت آنفا ، عملت على قلب الشخصية اليمانية رأسا عن عقب ، فأصبح اليماني : عبارة عن الشخص المسخ ، الشخص المخاتل ، المراوغ ، العاشق لمخالفة أي نظام أو قانون ، أو سنن سماوية أو أرضية ، أينما نزل ، وحيثما حل . حتى أن الناس ومعهم الشرطة – في كثير من مطارات العالم – أصبحوا يتندرون بوصول اليمانيين إلى مطارات تلك الدول ، وقد رأيت بأم عيني – في بوابة استقبال القادمين في إحدى الدول العربية ، كيف يجتمع مجموعة من شباب تلك الدولة ، ويصفقون سخرية من الأشخاص اليمانيين القادمين على الخطوط اليمنية ، وهؤلاء الأشخاص يرقصون متمايلين أمام مستقبليهم ، دون أن يدركوا البعد الأخلاقي للوضع الذي هم فيه ، والحالة التي يعبر عنها مستقبليهم ، من أبناء البلد الذي قدموا إليه . 

لقد أصبحنا – اليوم – نَعْرِفُ بأن مطارات كثيرة على طول العالم وعرضه ، لا تحبذ استقبال اليمانيين ، و نعلم – أيضا – ماذا يجري لليمانيين في أقرب المطارات العربية والإقليمية القريبة منا ، ناهيك عن تلك القصية عنا قيميا ومكانيا . 

إنها الصورة المسخ والمخجلة والمعيبة والمعورة والمشوهة ، التي أنتجها عفاش ونظامه ،عبر العقود الثلاثة ونيف التي عمل فيها ليلا ونهارا بلا كلل أو ملل ، لتدمير جميع القيم التي توارثها اليمانيون ، وكأن هذا المخلوق المسخ ، أرسل من قبل منظومة عالمية ، بهدف إنجاز هذه المهمة ، وهذا غير مستبعد – اليوم – بعد أن رأينا الفريق الذي يقود الثورات المضادة ، والمنهجية الأقل من اللا أخلاقية ، التي يدير بها هؤلاء الأذناب الجهات المضادة لخيارات الشعوب العربية ، في بلدان الربيع العربي .

فلا يستبعد بأن عفاش في بدايات حكمه ،  كان هو المقدمة – المبكرة – لهذه الثورات المضادة  اليوم ، التي تدار من تلابيب ، ثم يحول شأنها إلى الدولة الإقليمية المعنية بقمع خيارت الشعوب ، بعد أن ثارت هذه الشعوب ضد الجمهوريات الملكية ، وقالت لها لا وألف كلا ، في ربيع 2011م . 

جميع ما ذكرناه سابقا ، له علاقة بموضوعنا ، لأن عفاش كا يحكم دولة وشعب ووطن ، يقطنه ملايين البشر ، ثم أن ما تبقى من قيم – قبل عفاش – كانت متوارثة منذ آلاف السنين ، وكان العرب بعد الدين يحتمون بها ، حتى أن صورة اليماني ، في الذهنية العربية – إلى ما قبل عفاش – كانت هي الصورة الموغلة في القدم ، لعبارة شعب الإيمان والحكمة ، والصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه ، لا يكذب ، فهو " لا ينطق عن الهوى ". 

وقد كان العرب – دائما – لا يرون أي شر قادم من اليمن ، حتى في عصور الإنحطاط والتقهقر اليماني ، بعد رحيل معظم الجين القوي مع الفتوحات . 

لقد قال علي محسن صالح الأحمر في مؤتمر صحافي أمام الأشهاد – في عام 2011م – إن " علي عبد الله صالح قد تسلل خلسة ، في غفلة من الزمن ، إلى حكم اليمن .

وقد صدق في ذلك ، فقد كان محسن ضمن منظومة علي صالح ، ومطلع على البئر وغطاها . 

أن من عاش في الفترة ما بين 17 يوليو 1978م و 22 مايو 1990م – إن كان عاش بعينين مفتوحتين – فإنه كان سيلاحظ " سماعا " بأن مصطلحات مثل : 

- اليمن الأسفل واليمن الأعلى 

- الزيود الشوافع 

- أصحاب مطلع وأصحاب منزل . وهو تعبير بالعامية ( عن اليمن الأسفل [ الشافعي ] واليمن الأعلى [ الزيدي ] . 

- والبراغلة . وهو تعبير يقصد به شوافع الشمال وخصوصا [ تعز وإب ] . 

- واللغالغة : تعبير عامي ، كان يقصد به أصحاب تعز وبعضا من أصحاب إب . 

كانت حاضرة ، وخصوصا لدى القسم الخاص من المخابرات التابعة لعلي صالح شخصيا . 

الفرص التي لم يستفد منها عفاش إيجابيا :

شهد  حكم المخلوع الميت عفاش العديد من المحطات التي كان بالإمكان الاستفادة منها إيجابيا ، ولكن على العكس من ذلك فقد وضفها جميعا لتدمير قيم اليمانيين . 

فقد فهم علي صالح ، بأن جميع ما أتيح له من فرص ، يجب أن توظف في تدمير ما تبقى من قيم أهل اليمن .

ما لا يعرفه الناس – اليوم – إلا القليل منهم ، ممن  استطاع أن يحتفظ بذاكرته جيدا ، إن نظام المخلوع الميت عفاش ، قد تعرض لهزات عنيفة في السنوات الأربع الأول منه . 

فمن إنقلاب الناصريين في 15 أكتوبر من العام 1978م ، إلى حرب 1979م بين الشمال والجنوب ، التي أحتل فيها الجنوب معظم محافظة البيضاء ، فحروب المناطق الوسطى في محافظة إب ، وحرب شمير في محافظة تعز ، وحرب ريمة ، بين نظام عفاش ،  والجبهة الوطنية ، التي كانت موالية للجنوب الماركسي . 

وليس خفيا – اليوم – إن إنقلاب الناصريين ، ما كان له أن يفشل بعد المشيئة الإلهية ، التي تقدر كل شيء سلبا أو إيجابا ، ثم تحرك الجنرال علي محسن صالح الأحمر – حينها – لكان رأس عفاش قد علق على المشنقة ، ولولا – بعد المشيئة الإلهية ، ثم تدخل الجامعة العربية ، والتوازن الذي كان قائما – أثناء الحرب الباردة – بين الشرق والغرب ، لكانت القوات الجنوبية دخلت صنعاء ، مدعومة بجميع الشانين لحكم عفاش من أبناء الشمال ، ثم أخيرا ، لولا أن الإخوان المسلمين – الذين يشيطنون اليوم من قبل حلفاءهم السابقين في الخليج –  وما قاموا به من دور كبير للقضاء على التمرد في المناطق الوسطى ، وشمير، وريمة وبني عبد في حاشد ، لكان نظام عفاش في خبر كان ، وربما تغيرت ملامح الجزيرة العربية قاطبة .

إذن : هذه ثلاثة فرص ، ولحظات تاريخية مفصلية في تاريخ نظام المخلوع الميت ، فالقضاء على الإنقلاب ، وإيقاف زحف الجنوبيين نحو صنعاء ، والقضاء على " التخريب " وهو المصطلح الذي كان يطلق على التمرد الذي كانت تقوم به الجبهة الوطنية الماركسية في المناطق المذكورة . كانت جميعها من الفرص الثمينة ، التي كانت ، ممكن أن تمكنه ، من العودة إلى عمل الدولة عوضا عن شغل العصابات الذي بدأ به حياته السياسية كقائد لشمال اليمن . ولكنه لم يفعل ، فعوضا عن ذلك ، قرأ ما حدث بأنه انتصار وفرصة لمواصلة عمله كمخرب أكبر ، ومدمر أوحد لقيم اليمانيين . 

وبعد ذلك – لما استقر له الوضع – بإطلاق حزبه المؤتمر الشعبي العام في سنة 1982م . 

ولد بدون الوفاء لأي شيء . فقد كان أول عمل يقوم به علي صالح بعد قيام المؤتمر الشعبي العام ، هو التأمر على الحليف الحقيقي له ، الذين أنقذوا نظام حكمه ، وجنبوا دول الخليج خطر ذهاب شمال اليمن بعد جنوبها ، إلى أحضان الشيوعية في ذلك العصر . فلو أصبحت اليمن جميعها موالية للشرق ، لكان قد سَهُل على الاتحاد السوفياتي اختراق الخليج عبر البوابة اليمانية ، لأن أهل اليمن كانوا  – في الحقيقة –يضحون بحاضرهم ومستقبلهم من أجل أمن الخليج ، الذي أصبح بعضا من أبناءه يتأمر عليهم اليوم . فقد كان الشمال مشغول بالجنوب ، والجنوب مشغول بالشمال ، ولذلك تأجل مؤضوع تصدير الثورة الإشتراكية إلى دول الخليج بسبب ذلك الانشغال .

ومن الفرص التي جاءت لعفاش ، ولم يقتنصها – إيجابيا – بناء سد مأرب الجديد ، كهبة من الراحل ( الشيخ زايد بن سلطان يرحمه الله رئيس دولة الإمارات العربية المتحد ). 

ثم جاء استكشاف النفط في مأرب سنة 1984م . 

أما الفرصة الكبرى ، التي لا تتعوض – إذا فقدت – وقد فقدت . فهي تسليم الجنوب لعفاش على طبق من ذهب ، دون أي مقابل ، وأقول تسليم الجنوب وليس ما يقال بإعادة توحيد اليمن ، لأن شروط الوحدة منتفية في ظل حكم شخص ، لا يصلح حتى لقيادة عصابة ، لأنه حتى في ظل عمل العصابات ، هناك قواعد وأعراف تحكم عمل العصابات ، ونحن قد سمعنا وقرأنا وشاهدنا ، كيف إن رجل العصابة ، حينما يعطي كلمته لشخص آخر يفي بها ، بينما عفاش لم يف بأي وعد قطعه على نفسه ، ولا لأي أمانة أوزعت إليه . 

فجميع تلك المكاسب والفرص ، التي تحققت في عهد المقتول عفاش ، ضرب بها عفاش عرض الحائط ، بل على العكس من كل ما كان يتوقع منه ، فقد أعتبر أن تلك المكاسب ، إما قدمت من أشخاص ، أو أطراف  ، أو دول غبية ، وبالتالي ، فهي عبارة عن كروت ، كما قال بعضمة لسانه ، استخدمت ، ثم رميت ، وأما المشاريع التي تحققت في عهده ، فإنه اعتبرها هبات له وحده ، جاءت له كفرصة ليستخدمها من أجل الاستقطاب ، والإغواء ، وكسب الولاء ، وشراء الذمم ، حتى يموت الكل ، ويسكت الجميع . 

وعلى كل حال ، فقد استثمرعفاش – سياسيا – فيما يلي : 

- نشر شجرة القات الخبيثة في عموم اليمن ، زراعة ، وتجارة ، وتعاطيا . وهي الشجرة التي رَكَّعَت الأجيال اليمانية تواليا ، ودمرت قيم أهل اليمن . وهي الشجرة التي إن لم تجتث من اليمن ، فلن تقام لليمن قائمة ، ولو بعد ألف سنة قادمة ، وسوف تنتشر في عموم دول الجوار الخليجي ، وبالتالي يدمر ما تبقى من قيم أبناء الجزيرة العربية . أي تدمير قيم العرب الذين ظلوا – إلى حد كبير -  محتفظين بها منذ مئات السنين 

- التهريب بكافة أشكاله وألوانه وأنواعه . 

- نشر المخدرت في المجتمع اليماني ، وتهريب كميات ضخمة منها إلى دول الجوار الخليجي وخصوصا السعودية . 

- تهريب العملات الأجنبية ، وتزويرها ، حتى أنه قد وصل الحد إلى تزوير العملة المحلية . 

- تهريب البشر والأعضاء البشرية ، وما حادث كلية الطب في جامعة صنعاء الشهير عام 2000م ، إلا واحد من الأدلة على ما نقول .

- تزوير الوثائق : شهادات الميلاد ، الجوازات ، الشهادات العلمية ، عقود الزواج ، ووثائق الأراضي والممتلكات .. إلخ !

- تهريب وتصدير الإرهابيين . 

- خلق وصناعة ( ملف الإرهاب ) للابتزاز السياسي والمالي للجوار والمجتمع الدولي . 

- الفتن بين أبناء اليمن 

- إذكاء نار الثارات بين القبائل . 

- تشجيع الصراعات ، والخلافات الداخلية ، بين قيادات الأحزاب ، والقيادات القبلية ، ورجال الأعمال ، والعلماء ، والصحافيين ، والكتاب ، والأدباء ، والمثقفين ، بل وكافة أطياف المجتمع . 

- رفع منسوب النغمات الطائفية والمذهبية ، والمناطقية :

  • الجنوب – الشمال 
  • اليمن الأسفل – اليمن الأعلى 
  • الزيود – الشوافع 
  • الوهابيين – المكارمة 
  • البدو – الحضر 
  • القبائل – المدينة 
  • التنميط الإجتماعي:

= اللغالغة 

= البراغلة 

= الجعاربة 

= الجعفرية 

= الإنفصاليين ( أهل الجنوب ). 

= بنو سلول : آل سعود 

= المولدون : من هم  من زيجات مختلطة ( أب يماني وأم أجنبية ). 

= الصناعنة : أهل صنعاء . فقد كان منتشر بالعامية لفظ ( يا ذاك هو إلا صنعاني ).

= الذماريون : أهل ذمار . وكذلك منتشر بالعامية لفظ ( هو إلا ذماري ) غمز ولمز .

= البدو : أهل مأرب والجوف 

= بقايا الأتراك : من هم من أصول تركية 

= الخبانيون : أبناء ما كان يعرف – في الماضي – بالمناطق الوسطى ( يريم والرضمة والسدة والنادرة ودمت وعموم مناطق وادي بناء ). 

= هنود وصومال : يقصد بهم سكان عدن والمناطق الساحلية الجنوبية . 

إلى ما هنالك من تنميط، وصور نمطية ، كان نظام المخلوع – عبر مخابراته – يضخها ويبثها يوميا . حتى أن اليمن التي عرفت بالتسامح والتعايش والإنسانية ، قد أضحت وأمست مفخخة بجميع أشكال الفكر الأسود ، الذي يغرس الكراهية ، والتنائي ، والبغضاء ، والشحناء ، والحوب . وكلها تقود إلى الاختلاف ، ومن ثم الإحتراب ، حتى أن ذلك قد أصبح منتشرا داخل كل محافظة ، ومديرية ، ومركز ، وعزلة ،وقرية ،وأسرة . 

وهذا الحالة لم يكن لها من هدف إلا هدف واحد وهو : إنشغال الكل بالكل ، والبعض بالبعض ، والشخص بالشخص ، والمنطقة بالأخرى ، والقبيلة بالثانية ، والأسرة بأختها أو جارتها . 

في ظل هذه الأوضاع المشحونة وغيرها كثير ، تدهورت أحوال البلاد ، وتراجعت قيم اليمانيين ، وتقزم كل شيء في اليمن ، على مرأى ومسمع ممن يسمون أنفسهم ( نخب سياسية واجتماعية واقتصادية ).

الأزمة السياسية وحرب صيف 1994م على الجنوب:

تفاقمت الأزمة السياسية بين المؤتمر الشعبي العام ،والحزب الاشتراكي اليمني ، شريكي الحكم في الفترة الانتقالية ، فلما أجريت انتخابات 27 أبريل 1993م جاءت النتائج على هو المخلوع المقتول عفاش ، بغض النظر عن أن كانت هذه النتائج تخل بالتوازن  - بين الشمال والجنوب – وتنهي عقد الشراكة الذي وقع بين الطرفين أم لا. . 

وفي الحقيقة ، إن الامر كان سيكون طبيعيا ، لو أن النتيجة جاءت وفقا للعقل والمنطق ، ووفقا للأوزان وأحجام الأحزاب ، ولكن النتيجة جاءت مخيبة للآمال ، فروح المؤامرة لا التزوير فحسب ، قد برزت بكل فجاجة ،فمن غير المعقول أن يفوز حزب المؤتمر سيء السمعة ( فسادا ماليا وإداريا ) ب 123 مقعدا ، بينما الحزب الاشتراكي شريكه في السلطة ، لم يحصل إلا على 53 مقعدا ، وهي مقاعد الجنوب بالمناسبة ، وكانت ضمن صفقة بين الحزب والمؤتمر ، ظن الحزب الاشتراكي  بأن عفاش صادق ، حينما قال لهم لكم دوائر الجنوب ال56 ونتنافس على الدوائر في الشمال – طبعا لمن لا يعلم عدد مقاعد مجلس النواب اليماني فهو 301 ثلامائة ومقعد واحد – ، ثم لم يسمح عفاش لأي اشتراكي – في الشمال – إن يفز باسم الحزب الاشتراكي ، ، عدا الذين فازوا كمستقلين وهم – أصلا – ينتمون إلى الحزب الاشتراكي .وأن لا يفوز حزب الإصلاح ذو الصوت المعارض الكبير إلا ب 64 مقعدا؟!! 

في الحقيقة ،أن الذي تم هو أن الإصلاح تنازل لعلي عبد الله صالح عن 45 دائرة انتخابية، كانت شبه محسومة للإصلاح ، ولو أن الإصلاح لم يتنازل عنها ، لكان ترتيبه الأول والاشتراكي الثاني والمؤتمر الثالث . ولكن الذين تنازلوا للمخلوع عن حقهم ، هم نفسهم الذين تعودوا أن يتنازلوا عن حقوقهم دون مقابل !! ، ومع كل أسف فهم لم يراعوا وضع الوحدة الهش ، بل كان كل همهم الحفاظ على المخلوع المقتول عفاش، أما اليمن فلتذهب إلى حيث ألقت أم قشعم رحلها.

لقد عاتبت الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر يرحمه الله  ، وقلت له يا شيخ كيف نتنازل عن دوائرنا للمؤتمر ، فجاء رده واقعيا كعادته ، فقال لي : يا سالم لو لم نفعل ذلك كان سقط الرئيس  ، ويقصد بالرئيس علي عبد الله صالح . 

وطبعا ، قد يظن الذين تعودوا على قراءة الأحداث بالسطحية المتعود عليها ، أن هذه هي قناعة الشيخ عبد الله ، وأنه هو الذي ضغط نحو ذلك ، وفي حقيقة الأمر ، كان بإمكاني أن أفتري على الرجل – الذي هو الآن في ذمة الله – وقول إن الأمر كذلك .. والحقيقة الصادمة قد لا يصدقها الإصلاحيين أنفسهم ، أن أصحاب التنازل هم أشخاص آخرين ، اتخذوا القرار ، ثم جاءوا وأقنعوا الشيخ بذلك فوافق ، لأن الشيخ يعلم بأن الإصلاح كتنظيم ، إذا اتخذ قرارا تنظيميا ، من الصعب التراجع عنه ، خصوصا ، وقد أقنعت القواعد بذلك ، فما على رئيس الحزب الذي يؤمن بالتوازنات وبالسياسة الواقعية ، إلا أن يقبل ،  وإلا فإن الأمر سوف يصور بأن الشيخ طامعا في زعامة البلاد عوضا عن عفاش ، وياليته ، فعل ! 

لأن الشيخ  عبد الله – ببساطة – لو ترأس البلاد ، مهما اتفقنا أو أختلفنا معه ، في تلك الفترة ، لأوقفت الكثير من المذابح القيمية التي نفذت بعد انتخابات 1993م ، ولأوقفنا مذابح قيم اليمانيين التي تبناها المخلوع المذبوح عفاش منذ وصوله إلى السلطة . فالشيخ – صحيح – أنه له مصالح شخصية ولأولاده ، وهذا ليس خفي على أحد، وقد تزداد ثروته وثروة أولاده لو أصبح رئيسا ، هذا صحيح ، لكن الشيء الذي لا يمكن للشيخ أن يمشي فيه وأبناءه ، هو أن أي اعتداء على القيم الإسلامية والقبلية والاجتماعية والإنسانية ، بطريقة ممنهجة لن تحدث .

مع العلم أن كاتب هذه المقالة ، قد اختلف مع الشيخ – من الناحية السياسية المنهجية –  بعيد حرب 1994م ، وتركت عملي في مجلس النواب ، كمستشار إعلامي لرئيس مجلس النواب في 18 ديسمبر 1995م ، وذهبت إلى شمال أميركا ( الولايات المتحدة وكندا ) ، ومكثت هناك سبع سنوات وأيام ، ولم يعد بيني وبين الشيخ بعدها ، إلا الود والأحترام المتبادل ، القائم على أسس قبلية واجتماعية ووطنية كأي إنسان آخر عرف الشيخ ، أو عمل معه فترة من الزمن ، أو كان قريبا منه .

بل قد يصدم الكثير من الجنوبيون ، الذين إلى هذه اللحظة ، وهم لا يكلون ولا يملون ، من تركيز جلّ هجومهم على الشيخ وأولاده ، متناسين أن غريمهم الحقيقي هو عفاش،  قد يصدمون لو عرفوا أن الشيخ لو ترأس البلاد بعد انتخابات 1993م ،فإن الأزمة السياسية الحادة التي تلت الانتخابات لن تحدث ، وحتى لو حدثت ، فكانت ستحتوى ، ولن تحدث الحرب مطلقا ، إلا في حالة أن يصر الحزب الاشتراكي على التراجع عن الوحدة بدون سبب منطقي ، وهذا أيضا ما كان سيحدث ، فعلي سالم البيض ومعه الكثير من القيادات في الحزب ، كانوا يمتلكون قدرا كبيرا من العقلانية والواقعية ، على عكس ما صورهم إعلام عفاش ، وبعض صحف الأحزاب الأخرى التي كانت تعمل لعفاش من وراء حجاب .

بل قد يصدم الجنوبيون ، لو عرفوا أن الشيخ عبد الله يرحمه الله ، لم يكن موافق على قرار الحرب ، ولم يشترك فيه ، إلا بعد أن أجبر في اللحظات الأخيرة ، أي بعد أن اجتمع الخمسة الذين كانوا يديرون البلاد من تحت الطاولة ، واتفقوا مع على صالح على قرار الحرب ، ثم فيما بعد أخرجوا الأمر بصورة مضحكة ، حيث استدعوا علي محسن صالح نائب الرئيس الحالي ، ومعه قيادي كبير في الإصلاح متواري عن الأنظار الآن ، وطلبوا من الإثنين أن يذهبا إلى على عبد الله صالح بمعية شخص آخر ويقنعاه بالحرب ، وكأن القرار لم يتخذ بعد . 

هكذا كانت تدار بلادكم أيه اليمانيون ؟

ولا يزال من تبقى من الخمسة وقد أضيف لهم أحمد علي بعد مقتل أبوه ، وليس مهم الخامس الآخر المتوفي ، فقد أملاه موقعه حينها فقط ، أما الآن فليس بالضرورة أن يكون له وارث . 

إذن : حتى علي محسن صالح ، إلى الآن لا يعلم بأنه قد أتي به ، فقط من أجل إخراج المسرحية بشكل معقول . بينما قرار الحرب – في الحقيقة – قد اتخذ قبل انتخابات 1993م حينما ، بدأ عفاش يصفى كوادر الإشتراكي في شوارع صنعاء ، وبعض المدن الأخرى ، ومنها عدن  وبعض مدن حضرموت . 

فدفع الإشتراكي دفعا ، إلى اتخذا بعض المواقف المتصلبة ، وظلل الإشتراكي – ولا أبريء بعض عناصره التي كانت تكره التدين والمتدينين – بزجه في ولوج حرب إعلامية قادتها صوت العمال التابعة للحزب والصحوة التابعة للإصلاح  ، ومعهما بعض الصحف المحسوبة على المعارضة الموالية للحزب الإشتراكي ، أو تلك التي كانت تدور في فلك عفاش .   

إنّ إنتخابات 1993 بنتيجتها الغير منطقية ، قد أصابت وحدة 22 مايو 90م في مقتل ، وأودت بها ، فهي لم ترَ عافية من بعد ذلك اليوم ،الذي أُنْقُلِبَ فيه على خيار اليمانيين المستقبلي . . 

واختارت النخبة السياسية الشمالية ، ومعها بعض الجنوبيين المتضررين من نظام الحزب الإشتراكي – قبل 22 مايو 90م في الجنوب  - دعم وبقاء عفاش على ما عداه . وما نحن فيه اليوم من فاجعة ، إلا نتيجة طبيعية لذلك الخطأ القاتل ، والخطأ في الحسابات . . 

هزيمة الاشتراكي ، وطي صفحة مشاركة الجنوب في السلطة والثروة ( خروج الجنوب من المعادلة ):

بانتصار الطرف الذي كان متمترسا ومنحازا إلى عفاش ، وهو طرف شمالي بنسبة 90 % دخلت البلاد أتون صراعات ، لم يكن الداعمون لعفاش في حربه على الجنوب ، يدركون خطورتها ، ومآلاتها المستقبلية . 

بدأت الصراعات على تقاسم غنائم الجنوب ، وهي غنائم كانت محجوزة ، من قبل النظام الذي حكم الجنوب من أيام البريطانيين حتى 22 مايو 1990م . 

لقد حرم أبناء الجنوب من أرضهم التي كانت كلها باسم الدولة ، ومن ثرواتهم البترولية والسمكية والزراعية وغيرها . حتى جاءت عصابات الفيد – التي كانت تعمل بدعم من عفاش خارج سلطة الدولة – بعيد حرب صيف 1994م ، فنهبت كل شيء وعبثت ، بكل ما وقع تحت يدها.

وللأمانة والموضوعية ، لم يكن غالبية أبناء الشمال مستفيدين من ذلك الفيد ، ولكن عتبنا على إخواننا في الشمال كشعب – ونقصد هنا الأغلبية في الشمال وليس كل الشماليين – أنهم أما صفقوا لكل ما عمله عفاش في الفترة ما بين 7 / 7 / 1994م ، و 23 / 11 / 2011م ، أو كانوا ساكتين على كل ما جرى للجنوب وأهله ، إلا أفراد محدودي العدد ، كانوا يتكلمون بمظلمة الجنوب ، وهم في الحقيقة من المُقْصَيْن في الشمال حالهم حال الجنوبيين . 

لقد أطلق عفاش يد تلك العصابات ،فوزعت أراضي عدن ، والمكلا وغيرها ، من المدن الهامة على الساحل الجنوبي ، بالكيلومترات لتلك العصابات والمتنفذون في سلطته .   

لقد نُهب دخل الموانيء ، والمطارات ، ووزعت أراضي وعقارات الدولة ،  كهبات لهذه العصابات التابعة لعفاش ، وكذلك حقول النفط والغاز ، وزعت كبلوكات للأسر المتنفذة في نظام المخلوع الميت عفاش. 

وفي المقابل سُرح أبناء الجنوب ، من وظائفهم المدنية والعسكرية ، وصفيت مؤسسات الدولة التي كانت تابعة للنظام الذي حكم الجنوب قبل 22 مايو  1990م . 

إن من محاسن الإشتراكية في غير اليمن ، هو أنها قد حافظت على الأملاك العامة للبلد ، أما في اليمن ، فقد حدث العكس ، فقد حرم الحزب الإشتراكي أعضاءه ومتنسبيه والشعب معهم ، كل خيرات الجنوب ، وكأنه كان حارسا لقوم آخرين ، سيأتون يوما ما ، من خارج الحدود ، فيستلمون تلك الأمانة ، التي حافظ عليها النظام السابق في الجنوب . وللأمانة والموضوعية ، لو أن خيرات الجنوب ذهبت لجميع المواطنين في الشمال ، دون تلك العصابات ، والمافيات ، لكنت أول من يسكت عما حدث ، لأنني كنت سأنظر إلى الموضوع من زاوية أخرى ، وهي الزاوية الوطنية ، فكنت سأقول والله أبناء الجنوب يتحملون خطأهم ، إذا كان المواطن في الشمال أكثر ذكاء منهم ، فاستفاد من السياج الذي أقامه الجنوبيون حول ممتلكات تلك الدولة: ، دون أن يفكروا في توظيفه لمصلحتهم .  فالموضوع – هنا – يمكن أن ينظر إليه من زاويتين 

الأولى : سذاجتنا في الجنوب 

الثانية : الزاوية الوطنية ، على اعتبار أن الإنسان في الشمال أو الجنوب شيء واحد ، ولا بأس من أن يستفيد أخ ( شاطر ) من تركة أخ ( ساذج ) .

بغظ النظر عن قانونية الموضوع ، فمن الناحية القانونية ، الحق يظل حق ، ولا يسقط بالتقادم ، ولكننا – هنا – نتحدث بلغة سياسية ، وليس قانونية . 

ولكن الأمر ليس كذلك ، فالتمنيات لا تتحقق ، بل الوقائع على الأرض هي التي تمضي في سنن كونية ، لا مبدل لها. 

لقد أصبح أبناء الجنوب في الحقبة الزمنية بين 7 / 7 / 1994م و23 /11/ 2011م غرباء في أرضهم ، لذا نقول للأخوة في الشمال الذين يتباكون اليوم على الوحدة ، أكثر من بكاءهم على سقوط صنعاء بيد المخلوع الميت والمليشيات الحوثية ، لقد حدث لعقلكم لوثة مع كل أسف ، فأصبتم بعمى ألوان ، فلم يعد أحد فيكم – أقصد المتباكون على الوحدة من أبناء الشمال وليس الشمال كله ، وهي الوحدة التي قبرها عفاش – يميز بين ما هو أدنى أو ما هو خير!! 

فبالمنطق : لو تحقق فك الإرتباط ، فإن الموضوع يمكن أن يفسر بأن أحد الخلطاء قرر الافتراق عن الثاني ، ولكن مع الاحتفاظ بالود وحفظ  المصالح للطرفين. أما في حالة أن تغلبت إيران على اليمن ، فإن جميع اليمن واليمانين قد ذهبا إلى غير رجعة. !!

لقد تحول الناس في عهد المخلوع الميت عفاش ، ما بين مصفق مستفيد وهم الخاصة [ النخب السياسية ] ، ومصفق مغفل مخبول وهم العامة [ الفقراء ] . وبين طرف آخر آثر النوم ، بحجة أنه لا يرى شيء ، وهم بعض المعارضة ، وهناك الاستثناء القليل ، وهم المتوارون السلبيون وكاتب هذه الأسطر واحد منهم . 

لقد تنكر المخلوع الميت عفاش للإخوان ،الذين أسهموا إسهاما كبيرا في ترسيخ حكمه على مدى 33 سنة ، فغدر بهم في سنة 1983م بتدبير إنقلاب عليهم ، وهو في الحقيقة ليس إنقلابا ، بل مسرحية ، حيكت خيوطها بينه وبين كل من الراحل عبد الكريم الإرياني الذي كان حينها رئيسا للوزراء ومستشارا سياسيا – غير معلن – للمخلوع ، واللواء علي محمد الآنسي مدير مكتب رئاسة الجمهورية ومدير الفرع الخاص بموظفي الدولة ، من الأمن الوطني – المخابرات – حينها ، الذي تحول بعد 22 مايو 1990م إلى ما يعرف – اليوم – بالأمن السياسي ، وبين أشخاص كانوا محسوبون على الإخوان حينها .

وقد طويت تلك المرحلة ونسيت – مع كل أسف – من قبل المعنيين بها ، أي من قبل من كان يفترض أنهم كانوا معنيين بالمؤامرة التي حيكت ضدهم ، وحولتهم من بعد ذلك التاريخ إلى مسخ [ جسد كبير بلا رأس ] .

أما الطرف الآخر ، الذي تآمر عليه عفاش ، واستهدفه – مباشرة – من بعد 22 مايو 1990م ، فهو الجنوب الذي كان يتمثل ، فيمن كان يفترض بأنه كان ممثله ، أو ما كان يعرف – حينها – بالشريك الرئيس في وحدة 22 مايو 1990م وهو الحزب الاشتراكي اليمني ، الذي توالى سقوط كوادره في شوارع صنعاء وحتى في حضرموت وبعض المناطق الأخرى ابتداء من العام 1991م . أي في مرحلة مبكرة من قيام الوحدة .

في الحقيقة ، إن الجمهورية العربية اليمنية ، ومن بعدها الجمهورية اليمنية ، كانت تحكم من تحت الطاولة ، بحكومة ظل ، أو بفريق باطني ، يشبه عمله أعمال الفرق الباطنية في التاريخ الإسلامي ، أو ما يعرف اليوم في الغرب وبقية بلدان العالم ، ب (المحفل الماسوني )!. 

وبالطبع والقطع ، لم يكن الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر يرحمه الله واحد منهم ، ولا الشيخ مجاهد أبو شوارب يرحمه الله أيضا كان منهم ، ولا الفريق الركن علي محسن صالح منهم ، ولا الراحل الشيخ سنان أبو لحوم يرحمه الله كان منهم ، كما قد يتبادر لأذهان الكثير من البسطاء والسذج ، ولكن من قبل محفل مكون من 5 أشخاص ، رحل منهم اثنان والمتبقي ثلاثة !! 

وكبيرهم الذي علمهم السحر طبعا عفاش ، أما بقية الأربعة الآخرين ، فأنني أترك خيال القاريء الكريم وحدسه يسترسل في سرد واستعراض جميع الأسماء التي يمكن أن تخطر في مخيلته . 

لأن الموضوع هذا – بعد رحيل أثنان من الخمسة ، كان يفترض أنه قد  أصبح من الماضي ، ولكن – في حقيقة الأمر – لم يكن الأمر كذلك ، فبعد أن سلم أحد الثلاثة الذين لا يزالون على قيد الحياة ، وهو بالمناسبة ، المعروف منهم بلقب " الصندوق الأسود " لنظام عفاش .. سلم  ملف أسرار اليمن منذ إعتلاء عفاش السلطة ، حتى اليوم الجهة الراعية اليوم للثورة المضادة ، وبدأت تتشكف فوائد تسليم هذا الملف ، للجهة المسلم لها ، فعُرف من خلال هذا الملف مَن الذين كانوا مع عفاش ، ومن الذين كانوا ضده . سواء داخل حزب المؤتمر ، أو من خارج المؤتمر، بما في ذلك الأشخاص الذين كانوا يعملون لصالح عفاش ، وهم محسوبين على أحزاب وقوى سياسية أخرى من خارج المؤتمر .

وقد اسْتُدْعِي كل من ورد أسمه ضمن هذا الملف ، ليواجه أحمد علي وفريقه ، وقابلهم أحمد علي في مكان ما من هذا العالم ، وطُرح عليهم من قبل الراعي لمشروع أحمد علي كوريث لأبيه ، السؤال التالي : 

هل تدعم قيادة أحمد علي للمرحلة القادمة أم لا ؟  

فمن أجاب بنعم أدعم . اسْتُوْعِب ضمن المشروع القادم ، ومن قال لا : صنف معادٍ ، ومن تلكأ ولم يقل نعم أو لا ، وضع في المنطقة الرمادية . 

لقد سلم " الصندوق الأسود "  ، وهو كاتم أسرار نظام عفاش ،  هذا الملف ، الذي حوى معلومات جمة ، شملت قيادات عسكرية وأمنية ، وحزبية ، ورسمية مدنية ، أو حتى أشخاص قد تقمصوا دور المقاومين  ، أو ناشطين في شتاء المجالات ، أو عناصر أمنية صغيرة ، كانت تعمل ضمن جهاز ما كان يعرف ب " فريق مكافحة الإرهاب " وهم موزعين ضمن الحرس الجمهوري ، والمخابرات العسكرية ، وجهازي الأمنين : القومي والسياسي .

ولكن ما كان يجمعهم ، ولا يزال يجمعهم – حتى اللحظة – أنهم كانوا أوفياء لعفاش حيا وميتا !!.

وقد استخدم الشق الخاص بعدن من هذا الملف ، في الإغتيالات ، التي طالت علماء ، ودعاة ، وقيادات من المقاومة ، والجيش ، والأمن ، وكوادر حكومية سياسية، وإدارية ، ابتداء من اغتيال المحافظ اللواء جعفر محمد سعد يرحمه الله ، وانتهاء بآخر شهيد في الأيام الأخيرة . 

وقد كان من ضمن الملف : عناصر كانت تتقمص ثياب دينية في جميع الاتجاهات ، ولذلك فقد جلبت جميع العناصر التي كانت تعمل في عدن – قبل عام 2011م – ضمن الأمنين القومي والسياسي ، وفرق الموت التي كانت تعمل ضمن ما يسمى ( القوات الخاصة بمكافحة الإرهاب ) ، واستدعيت للعودة إلى عدن ، بعد أن وُجِدَت أسماءها ضمن ذلك الملف ، فجندت هذه العناصر في جمع المعلومات من جديد ، بالإضافة إلى ما كانت تمتلكه من معلومات قديمة ، عن أشخاص غير مرغوب فيها ، وكان لهذه العناصر – المعاد تجميعها –  دور في عمليات الاغتيالات والتعذيب والاختطاف والإخفاء القسري ، والتهديد والمضايقة إلخ . 

لذا فلا غرابة في كل ما حدث في عدن ، فهو فقط عبارة عن إعادة تفعيل أوكار الدولة العميقة ،التي كان يعتقد البسطاء من الناس ، بأنها قد انقرضت وتلاشت،  بعد سقوط عفاش ، ثم تَنْفِيْذه الانقلاب المعروف بالتحالف مع الحوثيين في 21 سبتمبر 2014م . على اعتبار بأنه قد أصبح في الضفة الأخرى المعادية للعرب . 

في الحقيقة إنه لولا المعلومات المفصلة التي سلمت لراعي مشروع أحمد علي ، لطال بحث هذا الراعي عنإصدقاء ومتعاونين أو مواليين . 

إن التفكير بأنّ إعادة تأهيل مجموعة أحمد علي ، لتكون هي فرس الرهان لما بعد الحرب ، قد جاء نتاج للكم الكبير من المعلومات التي سلمت ، من شبكات متعاونة مع عفاش ، من كافة الاتجاهات رسمية وشعبية ومعارضة، لذلك بدأ يتسهل دور هذا الفريق الإنتقامي . 

وقد رأينا بأم أعيننا ، كيف تساقط  صرعى ، المقاومين والعلماء، والدعاة ، والقيادة العسكرية والأمنية الموالية للرئيس الشرعي ، وعناصرمن  المقاومة الجنوبية ، أو من الحراك السلمي الجنوبي ، أو من كوادر بعض الأحزاب ، ومن القيادات السلفية . 

إنها المنظومة المعلوماتية الأمنية ، التي كان نظام المخلوع يستخدمها في طول البلاد وعرضها .

واليوم فقط فَعَّلَت خلايا عفاش النائمة ، هذا الملف ضد خصومه ، من شرعية موالية للرئيس عبد ربه منصور هادي ، أو من مقاومة جنوبية ، أو من حراك سلمي ، أوحتى من بعض الأحزاب التي وجدت قياداتها ضمن هذا الملف. 

لقد أنذهل الراعي المتبني لمشروع أحمد علي ، من خطورة تلك المعلومات ، وتشابكها ، وتداخلها ، وحتى غرابتها.

فقد وجدت عناصر كبيرة ، تقف في مقدمة أحزاب معينة ، كانت تعمل لصالح علي صالح . 

وفي الحقيقة أن هذا هو الشق الظاهر من الكأس ، أما الشق الغير ظاهر ، والذي لا أعتقد بأنه قد يظهر في المدى القريب ، إن هذه القيادات التي أكتشف الراعي لمشروع أحمد علي ، بأنها ليست عدوة ، على العكس مما كان يعتقد قبل استلام  الملف ، لم تكن تابعة لعلي صالح فقط ، بل أنها كانت متفقة معه على مشروع آخر ، وهو أن تظل اليمن تحكم من وراء الستار . أي من تحت الطاولة ، دون أن يُكتشف ذلك ، فيظل الموضوع يمضي على طريق ما يعرف في الأدبيات السياسية ( اتفاق جنتلمان ) .

فالموضوع لا يكتب ، ولا يسجل ، ولا يصور ، وهذا هو سر حصره في خمسة أشخاص ، على أن يختار كل واحد منهم شخص لوراثته بعد موته ، وعلى أن يظل الوضع على هذه الشاكلة إلى ما لا نهاية .

وفي الحقيقة : إن الظاهر في الملف الذي سلم لـ " للراعي لمشروع أحمد علي  " ، هو اسماء الموالين والمعادين فقط ، ولم ولن يظهر فيه موضوع : إن هناك خمسة اتُّفِق على أن يكونوا هم من يدير البلاد من وراء ستار .

لأن من تبقى منهم – الآن – على قيد الحياة ، يستخدمون دور " الراعي "  لمصلحتهم ، في المستقبل ، وليس كما يعتقد – ظاهريا – بأنهم قد أصبحوا أدوات في يد هذا " الراعي " . والأيام بيننا ستكشف ما نشير إليه هنا . 

فهذا الموضوع ، غير مسجل ضمن المعلومات التي سلمت في الملف ، لأن الخمسة ، يحرصون على تظليل الجميع ، أصدقاء وأعداء ، وإنما سلمت المعلومات التي يمكن أن تكون مفيدة للحاضن ،الذي يمنيهم بإعادتهم إلى السلطة . 

لقد استدعى " الراعي "جميع الأشخاص الذين وردت أسماءهم في الملف المسلم ، وسئلوا جميعا سؤالا موحدا وهو : 

هل لديكم مانع بعد أن تضع الحرب أوزراها ، وينخرط الجميع في العملية السلمية ، سواء التوافقية في المرحلة الانتقالية ، أو في المرحلة التي تليها ( مرحلة الانتخابات ) في أن يتولى أحمد علي عبد الله صالح رئاسة اليمن ؟.

فكل من أجاب : نعم لا يوجد لدينا مانع ، بل أننا مستعدون لدعمه بكل الوسائل . أصبح صديقا ، وممن سيكون له دور مهم في المرحلة القادمة ، أما من تلكأ ، أو تهرب من الإجابة ، فقد وضع اسمه ضمن ما يعرف ب ( المنطقة الرمادية ) ! 

ما الذي حدث في العام 2011م في اليمن ؟ وهل له علاقة بما يسمى الربيع العربي ؟

لو أردنا أن نوصف ما جرى في ساحات مدن اليمن في العام 2011م ، فإننا سنبتديء القول بأن ما جرى في تلك السنة ، لم ينل حقه من التحليل الموضوعي ، من قبل أطراف محايدة – حتى الآن – من وجهة نظرنا ؟ 

على الرغم من أنه كان حزءا من موجة الربيع العربي ، الذي طال خمس دول جمهورية فقط ، وأقول جمهورية وأشدد  على جمهورية ، بل على الخمس الجمهوريات فقط . 

لو نظرنا  في خارطة الوطن العربي الجمهورية فإننا سنجد خارج الدول الخمس التالي : 

- إن عملية الإجماع المذهبي الذي يتجاوز ال 51 % غير متوفرة خارج الدول الخمس ، في الدول الجمهورية . 

- إن العراق مثلا ، قد خرجت من احتمالية أي ربيع ، بسبب الإنقسام الطائفي الحاد ، وإن سقوط صدام ، قد أدى إلى إنقسام حاد وشرخ عميق ، لا يمكن ترميمه على المدى المنظور ، وبالتالي انتفاء أي إجماع شعبي ، بسبب هذا الإنقسام المذهبي والعرقي : شيعة وسنة ، وعرب وكرد ، وغيرهم . 

- إن لبنان بيئة غير صالحة لأي ربيع ، لنفس السبب المتوفر في العراق ، وربما بشكل أوسع . 

- إن الجزائر . بسبب سنوات الجمهر ، قد جعلت الشعب يكثر من التردد ، قبل القيام بأي انتفاضة شعبية ، في ذلك العام ، ولكنه نزل بالملايين ، في ربيع 2019م ، حينما توفرت الإرادة العامة ، والإجماع الكبير ، بعد أن بلغ السيل الزبى ، وطفح الكيل . 

- إن السودان في عام 2011م لم  يكن جاهزا ، بسبب ضعف المجتمع المدني ، وكسل المعارضة السياسية هناك . 

- أما موريتانيا ، فإن التغيررات التي توالت عليها بعد (معاوية ولد الطائع ) قد أفقد المعارضة والمجتمع المدني حيويتهما ، وسرعة بداهة التحرك . 

- وبالنسبة للصومال وجيبوتي وجزر القمر ، فلكل منهما ظروفه الخاصة المعروفة ،التي لا تساعد على الاستجابة لما حدث في الدول الخمس . 

- تبقى فلسطين ، التي تعيش ربيع فلسطيني منذ عام النكبة 1948م ، إلا إن مرحلة القطاف لم تحن بعد . 

وفي الحقيقة ، إن الدول الخمس التي انطلق فيها الربيع العربي ، سواء من أنجز المهمة الأولى منه ،أم تلك التي توقفت عند استراحة محارب . كانت مهيئة أكثر من أي بقعة في الدنيا لمثل ذلك الربيع  ، لأنك ببساطة ، حينما تسمع – فقط – باسم بن علي والقذافي وحسني وعفاش وبشار ، يكفي أن تتفهم أي اعتراض سلمي ،أو عنيف ،ضد أي من هذه الأسماء الخمسة ، أو كلها . 

وقد قلت لأحد الأمراء السعوديين الغير رسميين ، إنكم في الخليج – قد خُوِّفْتُم – بخبث – كثيرا في 2011م مما يسمى بالربيع العربي ، من قبل المتبني للتخويف ، وهو موجود في مكان ما من هذا العالم ، حتى اعتقدتم بأن الربيع سيطالكم فورا ، وهو ما لم يحدث ، ولن يحدث قريبا . لأن ذلك المخوف ، ليس بعيدا عن تخلفنا ، وعن المصلحة في بقائنا في هذه الأوضاع المشينة . هذا في الماضي ، أما اليوم فقد عرف مقره  وهو تلابيب . 

وقلت له إن ما حدث في الخمس الدول فقط ، ليس بسبب الخبز ، مع أن الخبز كان شحيحا في تلك البلدان الخمسة ،ولكن لأن هنالك سبب آخر ، أشد فضاعة من الجوع . 

إن البلدان الخمسة ، قد أصبحتا في عام 2011م من أسوأ البلدان العربية للعيش ، من الناحية الإنسانية والأخلاقية .

لم ينجح الربيع العربي في السودان والجزائر وجيبوتي وموريتانيا ، وهي بلدان تعاني من ضنك العيش ، وظروف اقتصادية بالغة الصعوبة ، ولكن كان الحراك – كما أسلفنا – في تلك البلدان أقل حماسا ، لأن الوضع الأخلاقي والإنساني في تلك البلدان أقل تضررا من البلدان الخمسة . 

ويكفي للتدليل على ما قلناه ، فيما يتعلق بالوضع القيمي المأساوي في البلدان الخمسة ، ما سردنا بعضه هنا في هذه العجالة ، عن نظام المخلوع المقتول عفاش . 

والخلاصة : 

لقد وصل الوضع في جنوب جزيرة العرب ، في أرض قحطان بن هود ، التي سميت – جغرافيا – على مراحل ، " بلاد الأحقاف " و" أرض سبأ " و" مملكة سبأ " و" مملكة سبأ وحمير " و " مملكة سبأ وحضرموت ويمنات " و " مملكة حمير " ومملكة " حضرموت وشبوة ويمنات " وبلاد دول " معين " و" قتبان " و " أوسان " ومن ثم بلاد " العربية السعيدة " و " بلاد البخور " وبلاد . وبلاد . وبلاد . إلخ 

وأذكر الجميع ، بأن هذه المسميات وغيرها كثر ، توالت عبر التاريخ ، على الجغرافيا الوقعة جنوب الركن اليماني . الذي أذكر الجميع – أيضا –  بأن كلمتي : يمان وشام ، من الألفاظ السامية القديمة ، التي وجدت في اللغات السامية القديمة ومنها العربية ، وتعنيان على التوالي : الجنوب والشمال ، وليس كما يفهم الجهلة المعنى المسيس للفظ،  بغرض التباغض والتناحر. 

وأن المهم ليس هو الاسم ،أو أن لفظ اليمن يطلق على عموم الجغرافيا الواقعة جنوب جزيرة العرب ، من عدمه ،أو أن حضرموت من اليمن أم لا ، أو أن الجنوب ليس من اليمن . فكل هذه ترهات ، ليس لها أي معنى ، إذا أُفْـِرغت من محتواها الجوهري ، وهو الإنسان . 

فنقول لكل جاهل يسيء إلى نفسه ، بقوله أنا شمالي أو أنا جنوبي ، أو أنَّ الجنوب ليست من اليمن ، أو أن الشمال ليست من جنوب جزيرة العرب . إن مثل هذه  ما هي إلا ترهات ، بعد ما حصل الذي حصل لهذه الجغرافيا ، ومن فيها ، من دمار وتشويه ، وأن التسمية ليست مهمة إلى هذا الحد الذي يتقاتل عليه الرعاع ، بعد أن أصبح المُتَقَاتَل عليه جثة هامدة . 

لقد شاركنا جميعا في تدمير الجنوب ، وتدمير الشمال ، وتُوِّهْنا ، حتى لا نتمكن من معرفة غريمنا الحقيقي 

وقيل لنا أنتم كذا ! .. لا .. لا لا  أنتم هكذا !! 

ولذلك أتمنى من هؤلاء ، الذين أوصلونا إلى ما نحن فيه من احتراب فاقد للمعنى والمنطق التالي :

أريد كل واحد منكم أن ينسب نفسه إلى القبيلة التي ينتمي إليها ، حتى يصل إلى سبأ ( عبد شمس ) بن يشجب بن يعرب بن قحطان . 

فإن وجدنا بأن الأغلبية ليست من هذا النسب ، فسوف أصدق كل ما تتشاكسون عليه . 

أما أن كانت الإجابة بأن أكثر من 80% من سكان جنوب الجزيرة العربية ، ينتمون إلى النسب الذي أشرت إليه سابقا ، وهو ( سبأ ) بن يشجب بن يعرب بن قحطان . 

فأنني سأقول لكم : توقفوا عن الذيلية ! والركض وراء الممولين الخارجيين ، الذين يدفعون لكم سحتا ، ثم يقولون لكم تنكروا لذاتكم ، وتناحروا ، ثم أقتلوا بعضكم بعضا . وهذا لعمري ما حدث في أي بقعة من العالم ، إلا في اليمن الميمون . 

لقد دمر عفاش كل شيء ، ثم جاء الحوثي ، ومن بعده ما يعرف اليوم بدعاة التنكر للذات في الجنوب ، ولن أسميهم بأكثر وأقسى من هذا ، فحققوا لعفاش ما كان يحلم به من قتل واقتتال بين أهل الدار الواحدة . 

فالحوثي قال أن الحاضنة اليمانية أكثر من 95 % زنابيل ، وأن 5 % أو أقل من ذلك قناديل . 

ولست أفهم – هنا – ماذا تعني " الزنبلة " و " القندلة " إن جاز التعبير ؟! 

فحينما أجد شخصا محسوبا على القندلة ، محشوا فهمه بشجرة الزقوم حتى الأختناق ، وأدخنلة النارجيلة أو الشيشة أو المداعة سميها ما شئت ،تتشارد من مناخيره ، وفاهه ،  فهي في النهاية عبارة عن دخان منتن ، ويؤذن للمغرب ، ولا يقوم للصلاة ، أويشرب الخمر ، أويسرق المال العام ، أومشارك في قتل النفس التي حرم الله ، أوناهب للأراضي ، أوكذاب أشر ، مراوغ  مخاتل ، ولا يتورع في أن يلعن المسلمين ، صحابة وغير صحابة ، وأن ينكر ما علم من الدين بالضرورة . فماذا تعني " القندلة " هنا ؟! إن كان حال الكثير ممن ينتمون إليها هكذا !!

وحتى وأن لم يكتمل فيه بعضا مما ذكر ، فيكفي له أنه قد ناصر من زج باليمن في فتنة سفك فيها الدم الحرام ، تحت تخرصات واهية ، كاذبة ، مدلسة ، لا تقترب من الواقع . 

والله ، لقد قلت لبعض الأخوة ، ممن يسمون أنفسهم بالهاشميين ، والإنقلابيين محاصرين لصنعاء ، من كافة الجهات ، بعيد خروجنا من أحد مساجد صنعاء ، بعد صلاة المغرب ، بالحرف : والله أنكم قد بدأتم تشاركون في مذبحة سوف تنصب لبني هاشم ، كانوا في غنى عنها ، وإني لناصح لكم أمين . ولكن من ينصح من ؟!، إذا العقول الخاوية لا تعقل مثل هذا الكلام ، فقد كانوا منتشين بقدرة السيد ، على حسم المعركة !! 

حسنا : ها هي المذبحة قد نصبت ، فقد مات عدد كبير من بني هاشم في هذه المعركة ، أما الحاضنة الساذجة التي تركض وراء كل ناعق ، فهي تستحق ما جرى لها ، لأنها – مستمرة – منذ انهيار السد ، ذيلا وراء كل ناعق . 

ووالله ثم والله ،إنّ من يسمون أنفسهم بالبطنين وهم أخوتنا لا ريب في ذلك ، قد أنغمسوا بركوضهم وراء عبد الملك في هذه الفتنة ، في مستنقع لن يخرجوا منه بسهولة ، لأن الحرائق – هذه المرة  - قد وصلت معظم بيوت الحاضنة الزنبيلية !! 

بالقطع ليس لفظ بني هاشم دقيق ، لأن اللفظ يدخل فيه العباسيين ، وأبناء جعفر وأبناء عقيل إلخ ، وهؤلاء بعيد عن فكرة الوصاية ، أو " الوصي " أو " الوصية " سميها ما شئت . 

ولا يدخل فيهم الكثير والكثير من البطنين الذين رفضوا ، كارثة عبد الملك ، الذي أوقع " أبيه وإخوته " ، فيها" عفاش " حينما أوعز لهم بتأسيس ما كان يعرف ب " الشباب المؤمن " في سنة 1982م ، وهو فخ نصبه لهم عفاش ، قائلا لهم – أي عفاش – أريدكم تحافظون على المذهب الزيدي أمام الوهابيين [ يقصد الإخوان والسلفيين ) ، وفي الحقيقة أن عفاش كان يقصد بأن يتصارع الشباب المؤمن مع الإخوان والسلفيين ، على أسس مذهبية ، وعفاش يتحول إلى وسيط كعادته ، حينما يفتن بين طرفين ، ويتحول إلى مصلح .

وفعلا ، فبعد 32 سنة عاد عفاش يستنجد بالحوثي ، بعد أن سلمه صعدة ، فنصب للحوثي فخا جديدا ،وقد نصب الفخ هذه المرة ـ عبر كذبة التحكيم في الحروب الستة ، طالبا منهم العمل سويا لقيادة الإنقلاب على شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي ، وإستعادة الدولة الزيدية من جديد ، فصدق عبد الملك ، ولكن هذه المرة أحترق عفاش وتورط عبد الملك . 

أما جماعتي في الجنوب ، فيكفي أن أقول لهم بأن : 

مانديلا : كان مناضلا جسورا عالما مفكرا عظيما ، قدم نفسه نيابة عن شعبه ، فدخل السجن لمدة 27 سنة ، فهل معكم من يقودكم مثله ؟!! 

وغاندي : ترك الهند وذهب إلى جنوب أفريقيا للدفاع عن حقوق الجالية الهندية هناك ، هندوس ومسلمين وبوذيين وغيرهم ، ولم يقل أنا هندوسي ، أتيت فقط للدفاع عن حقوق الهندوس ، ثم عاد إلى الهند وقاد ثورة البطون الخاوية ضد الإستعمار البريطاني .. فهل معكم مثله " ؟

وهوشي منه : قاد فيتنام في مواجهة ، أكبر دولتين إمبرياليتين  ، وهما فرنسا والولايات المتحدة ، فهل لديكم شبيه له ؟!!

وأحمد ياسين رحمه الله ، قاد المقاومة الإسلامية ، في مواجهة العدوان الصهيوني ، وقدم روحه العظيمة ، فداء لما يؤمن به ، فهل لدينا حتى نصف أحمد ياسين يرحمه الله ؟! 

وتشي غيفارا : قاد نضاله ضد الإمبريالية في أميركا اللاتينية ، وقدم نفسه قربانا لما يؤمن به ، فهل معنا مثيلا له ؟!

ومرسي قدم نفسه قربانا لما يؤمن به ، فهل لدينا مثله ؟! 

وصدام حسين فعل الأمر نفسه قدم نفسه وأسرته قربانا لما يؤمن  به 

والملك فيصل يرحمه الله فعل الأمر نفسه ؟! 

وقد مات عبد الناصر فقيرا فهل من يدعي قيادة الجنوب اليوم فقيرا ؟ 

وقال الشيخ علي بالحاج السلفي الحقيقي الذي قال يوما ما : إعطوني علمانيين مثل علمانيي فرنسا , وسوف أسلم لهم حكم الجزائر ، فهل لدينا شخص سلفي جنوبي أو حتى إخواني ، أو صوفي ، بهذا النضوج ؟! 

ولقد ناضل جيري آدم من أجل شعبه في إيرلندا الشمالية ، حتى أنجز لهم " إتفاق الجمعة العظيم " فهل لدينا شخص مثله ؟ 

وقاد ( أليش فاليسا ) النقابات العمالية في بولندا ، في أواخر الحرب الباردة ، حتى وصل إلى سدة الحكم .فهل لدينا مثله ؟! 

وصمد " فيدل كاستروا " في مواجهة الجارة العدوة اللدود ، من عام 1959م حتى وفاته قبل سنوات ، ومن يصمد أمام العم سام إلا المجانين ؟! فهل لدينا مجنون مثل كاسترو . 

وصمد ياسر عرفان يرحمه الله ، مناضلا شرسا في مواجهة العدو الصهيوني ، حتى سمموه ؟! فكم ياسر عرفات يمكن أن نجده في الجنوب؟ . 

وقاد السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور ، عمان من مدرسة أبتدائية وصفر بنية تحتية ، وأمية متفشية في كل شيء إلى " عُمان الحديثة " المتسامحة المسالمة ، المتعايشة مع الجميع ، التي أصبح يضرب بها المثل في العالم العربي ، فهل نستطيع أن نوجد مثله ؟ ! . 

وجاء مهاتير محمد وماليزيا في القائمة الآسيوية الأخيرة ، فانظروا ماذ فعل مهاتير ؟ وأين أصبحت ماليزيا اليوم ؟! والتي أعادت انتخابه تقديرا لتاريخه الكبير المبجل ، على الرغم من أنه قد غادر السلطة ، ولكن حينما أكتشف بأنه قد أريد لماليزيا أن ترجع القهقرا ، عاد من جديد ، على الرغم من أنه قد بلغ 93 من العمر . فهل لدينا ربع مهاتير في الجنوب ؟! 

ولن أذكر سنغافورة ، كونها ذات وضع خاص ، حتى محيطاتها من الآسيوات لن تصل إليه . 

وقاد القس تشارلز تايلور تيمور الشرقية إلى الإستقلال ، فهل قادها باللعن والتنكر للذات ؟! 

وانظروا جارتنا القريبة منا ( أثيوبيا ) (( آبي أحمد علي )) ، كيف انتقل ببلاده  في لحظات إلى أعجوبة ، ودعا إلى مصالحة وطنية .

وانظروا إلى جارتنا أرض الصومال : أكثر من 20 سنة لم يعترف بها أحد ، على الرغم من أنها لم تتنكر لذاتها ، ويقول أبناءها إننا لسنا بصوماليين ، وإنما قالوا – حينها – نحن نستطيع أن نؤمن أرض الصومال ( الشمال الصومالي ) فلما نربط أنفسنا بوسط وجنوب ، لا يزالا ذاهبا نحو الاحتراب الأهلي ؟! ورغم ذلك لم يعترف بهم أحد حتى اليوم . 

أما تركيا أردغان ، التي لا يحلو لبعضنا سماعها ، ظنا منه بأن الممول الإقليمي يرتاح لمثل هذا البغض  : فأسقول لمن سيعيش منا إلى عما 2023م موعدنا تلك السنة ، وسوف ترون من هي تركيا ، التي نسأل الله العظيم لها النصر والثبات والتقدم الرقي والإزدهار ، فقد غدت قبلة للمظلومين من المسلمين، من شتاء أصقاع المعمورة . ولا يهم من يحكم تركيا بعد 2023م ، ولكن المهم أن تصل ، وقد أخذت المكانة التي تليق بها ، كدولة عظمى مستقبلية . 

لن أطيل على أحبائي في الجنوب ، ولكنني سأقول لهم التالي : 

إن سكان : الضالع وردفان وغالبية يافع والصبيحة وغالبية لحج هم قبائل حميرية ، باستثناء عيدروس وقبيلته زبيد الذين انتمي وإياهم إلى مذحج ، فهو من زبيد سعد العشيرة بن مذحج . 

إذن : فالغالبية العظمى من  أهل لحج والضالع من( حمير بن سبأ ) . 

وغالبية سكان أبين : من مذحج باستثناء مديريات يافع السفلى الثلاث ، فغالبيتهم ، مع قبيلة المراقشة من حمير . وأما باكازم فغالب الظن أنهم من كندة 

وقبائل شبوة : تعود أصولهم ما بين حمير ومذحج وكندة وهمدان ولخم وعدنان 

وحضرموت ما بين حميري وكندي وهمداني ومذحجي ولخمي وعدناني 

أما المهرة وسقطرى فالغالبية حميريون 

إذن : ف 90 % من قبائل الجنوب قحطانيين . 

وبذلك يصبح النسب الجنوبي والشمالي ، موحد في قحطان ، مع أقلية عدنانية في الشمال والجنوب . 

فهل يعقل أن يتنكر أبناء الجنوب لأصلهم ؟! .

 لأن النسب مقدم على الجغرافيا . 

إن من حقنا في الجنوب أن نقول بأننا لا نستطيع التعايش مع إخواننا في الشمال ، لعوامل ثقافية وإجتماعية وسياسية واقتصادية وإدارية وسلوكية .. أجل . فهذ من حقنا ، وقد كنا في الماضي شعب واحد في دولتين للأسباب التي أشرت إليها سابقا ، ولكن ليس من المنطقي ، أو من المعقول ، أن نقول أن أهل الشمال ليسوا بإخوتنا ، إلا إذا كنا في حالة ضعف وخوف شديدين . وأبناء الجنوب معلوم عنهم أنهم لا يخافون على مدى تاريخهم ، فهم صناديد ، وقد أثبتت الحرب الأخيرة ذلك . 

لكن أن يجرنا مجموعة من الرعاع مسكونة بثقافة مستوردة ، غريبة عنا ، ، وتجهل بالتاريخ وبالأنساب ، وبالمجتمع ، وتقول لنا أنسوا ذاتكم ، وتنكروا لجلدتكم ، وقولوا ما ليس في الواقع ، أو في النسب ، أو في المنطق ،أو في التاريخ ،  فهذا لن نقبل به أبدا . 

فنحن عرب قحطانيون ، ونلتقي مع إخواننا في الشمال في النسب ونتجاور في الجغرافيا ، ولكننا نختلف في السلوك ، والخلفية الثقافية والإجتماعية ، أو ما يعرف بمنظومة العادات والتقاليد . 

التوصيات :

هل أهل اليمن جادين في مقولة أنهم يريدون الخروج من هذا المستنقع الموحل ، وأنهم يبحثون عن إقامة دولة مدنية اتحادية ديمقراطية ، ذات منظومة برلمانية ، بقائمة نسبية إلخ . 

ولن أضع هنا علامات استفهام ، لأن هذا تسؤال وليس سؤال .

إن كان الجميع – أو على الأقل 50 + 1 بالمائة – يريدون ذلك ، فهلموا يا مَن تحملون هذه القناعة ، لنعمل سويا ، من أجل تحقيق التوصيات التالية : 

1 – يمن اتحادي . لا يهم عدد الأقاليم فيه ، فبإمكان الإمم المتحدة إجراء استفتاء على : 

- ستة أقاليم ، أو :

- إقليمين ، أو : 

- ثلاثة أقاليم ، أو :

- خمسة أقاليم ، أو : 

- أو سبعة أقاليم ، أو : أكثر . 

وحتى لا ينزعج أحد فإن الإستفاء يمكن أن يتم على مر حلتين : 

الأولى :  استفتاء منفرد في الجنوب . يستفتى فيه أهل الجنوب أولا على الخيارين التاليين : 

- الأول : فك الإرتباط 

- الثاني البقاء مع الشمال في دولة اتحادية من إقليمين أو ستة أو أكثر أو أقل . 

ويكون التصويت فيه : 

- فك الارتباط : نعم ? ?        ? لا  

فإذا فشل فك الارتباط ، بدأ أهل الجنوب يصوتون  للمفاضلة بين إقليمين أو ستة . وهما الخيارين المتداولين الآن ، فالستة هو خيار مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء  2013م والإقليمين هو خيار طيف واسع من الجنوبيين ، وفي مقدمتهم " مؤتمر القاهرة " 2012م ?

2 – نظام سياسي برلماني ، بقائمة نسبية . 

3 – اقتصاد سوق إجتماعي 

4 – حكم  رشيد 

5 – سيادة القانون 

6 – عقد إجتماعي [ دستور اتحادي ] تقوم فيه العلاقة على مبدأ " المواطنة المتساوية "

7 – حماية الحقوق والحريات العامة 

8 – شراكة سياسية توافقية لمدة 20 سنة قادمة . لأن مثل حالة اليمن لا يصلح لها إلا هذا الخيار ، من وجهة نظري، حتى تشفى اليمن  من أمراضها ، ويزول الخوف والتخول المتبادل بين كل الأطراف .. فالكثير منا وخصوصا الأحزاب الصغيرة ، أو الحديثة المنشأ ، تتخوف من الأحزاب الكبيرة – التاريخية ، التي قد تجذر وجودها في السلطة ، وتمتلك إمكانيات كبيرة ، تمكنها من الإنفراد بالسلطة ، والتغول على القوى الصغيرة . وحتى تبنى الهياكل والبنى الخاصة بالأحزاب والقوى الصغيرة ، وتبنى مؤسسات حكومية راسخة ، لا يستطبع أن يعبث بها أحد ، فيستخدمها للنصب والإحتيال ، والفيد والتفيد ، والهيمنة والسيطرة على بقية أطياف المجتمع السياسية الأخرى. وهذا مقترح معقول ليس لحالة اليمن فقط ، بل للعالم العربي التعددي كله .  

9 – إنشاء مؤسسات مستقلة ، تقاد بمجتمع مدني متماسك موازي قوي ، يعمل على مراقبة أداء الحكومة ، خطوة بخطوة ، و من تلك المؤسسات مؤسسة الشفافية . 

10 – إطلاق عملية " عدالة إنتقالية " تقوم على الاعتذار ، والتعويض ، والمساءلة ، والمحاسبة . 

11 – التوافق على خطة مزمنة لاجتثاث القات نهائيا من اليمن . 

12 – عقد مؤتمر مصالحة على المراحل التالية : 

- مصالحة جنوبية – جنوبية 

- مصالحة شمالية – شمالية 

- مصالحة جنوبية – شمالية 

حتى يشرع بعد ذلك فورا في العملية السياسية التوافقية ، المشار إليها في الفقة ( 8 ) من هذه التوصيات. 

13 – عقد مؤتمر دولي حقيقي لإعمار اليمن 

14 – طبعا كل ما ذكر سابقا يتم بعد إنهاء الإنقلاب والحرب بإشراف دولي . 

15 – إشراك كافة ألوان الطيف الفكري والسياسي والاجتماعي في " الجمهورية اليمنية " في كافة المراحل ابتداء بإيقاف الحرب وإنهاء الإنقلاب ، ومرورا بعقد الشراكة السياسية التوافقية ، وانتهاء ببناء مؤسسات الدولة الإتحادية. 

16 – إشراك المرأة والشباب والجماعات المهمشة الأخرى ، والإقليات حيثما وجدت . 

17 – عقد شراكة مع الإقليم والمجتمع الدولي ، في كافة القضايا ذات الإهتمام المشترك . 

18 – عقد مؤتمر دولي في الداخل لإطلاق عملية إقتصادية تنموية نهضوية شاملة . 

19 – إعطاء الحرية لرأس المال المحلي والإقليمي والأجنبي للإستثمار بكل حرية ، بعد أصدار التشريعات المحلية المنظمة لهذا الاستثمار . 

20 – جعل هذه القطاعات في مقدمة إهتمامات الحكومة القادمة : 

- التعليم 

- الصحة 

- المياه والصرف الصحي 

- الإسكان 

- النقل البري والجوي والبحري ( المواصلات عموما ). 

- قطاع الخدمات بشكل عام 

- الاصطياد البحري 

- النفط والغاز وكافة مجالات الطاقة 

- الزراعة 

- الصناعات الأولية الإنتاجية . 

- الاقتصاد المنتج بعموميته . 

- التعدين . غير قطاع الطاقة . 

- السياحة 

- المحميات 

- الثقافة 

- الشباب والرياضة . 

- قطاع البنية التحتية قاطبة . 

- محو الأمية 

- التدريب والتأهيل 

- المجتمع المدني 

- بقية القطاعات الأخرى التي لم تذكر 

21 – إعطاء العلاقة مع دول مجلس التعاون الخليجي ، طابعا خاصا ، لما يربطنا بإخوتنا في الجزيرة والخليج العربي من روابط وعرى أخوة وقربى وجوار .